تنفيذ سوتشي... لماذا الآن؟
مع الاقتراب من مرور عام كامل على توقيع اتفاق سوتشي (17/09/2018)، بات واضحاً أنّ استكمال تنفيذه لن يتطلب بعدُ وقتاً طويلاً...
رغم أنّ الاتفاق بدا أنه لم يحرّك ساكناً طوال الأشهر السبعة الأولى من إقراره، إلا أنّ الأشهر الثلاثة الأخيرة، والأسبوعين الماضيين بالذات، قد أظهرا أنّ تلك الأشهر لم تنصرم مجاناً، بل كانت في إطار التحضير السياسي والعسكري للتنفيذ...
تحضيرات متضادة
النزاع في سورية، ورغم تعدد الجهات والدول والقوات الداخلة فيه، يجري فعلياً بين طرفين أساسين، طرف نصير للحلّ السياسي، وآخر نصير لإدامة الصراع. في إدلب، يتمظهر هذا الصراع بين من يدفعون باتفاق سوتشي باتجاه التنفيذ، وبين من يعيقون تنفيذه.
ليس سراً أنّ الغرب عموماً تعامل مع الاتفاق من منطلق تكتيكي؛ فقد وافق عليه من باب إيقاف إطلاق النار، وحوّر مفهوم إطلاق النار ليغدو شاملاً حتى للقوى المصنفة إرهابية، وعمل في الوقت نفسه على محاولة استمالة تركيا عبر الوعود بمسألة المنطقة الآمنة.
بالمقابل، فإنّ روسيا عملت على تدعيم وتعزيز العلاقات مع تركيا خلال العام المنصرم، والتي وصلت إلى نقطة اللاعودة بعد S400 وغيرها من الاتفاقات، وفي الوقت نفسه جرى التحضير لاستكمال المعركة لإنهاء جبهة النصرة ومن يتحالف معها.
مراكز الثقل
رغم أنّ الصورة السابقة التي نقترحها، قد تورث اعتقاداً بأنّ مركز ثقل الصراع الدولي الشامل بين القوى الصاعدة والقوى المتراجعة، ينتقل من نقطة توتر إلى أخرى، وفقاً لتطور الوقائع الملموس؛ أي: يحتد تارة في اليمن وأخرى في سورية، وثالثة في أوكرانيا، إيران، السودان، كوريا الشمالية، إلخ، لكن الحقيقة أعقد من ذلك؛ وإنْ كان صحيحاً أنّ درجة التركيز على ملف دون الملفات الأخرى، وضمن فترة زمنية معينة، يظهر على السطح بوصفه واقعاً، ولكن هذا لا يعني البتة أنّ عملية تسجيل النقاط تكون قد توقفت مؤقتاً في الملفات الأخرى.
ما يجري فعلياً، هو أنّ العمل جارٍ بشكل متوازٍ في كل نقاط التوتّر والصراع حول العالم، وهو عمل تراكمي وعمل بالنقاط، وحين يظهر إلى السطح أحدها بوصفه الملف الرئيس في لحظة معينة، فإنّ ذلك يعني بالضبط أنّ تراكم النقاط في ذلك الملف قد وصل إلى حدٍّ يسمح بنقلة نوعية فيه... بهذا المعنى يمكن فهم فترة «السكون الظاهري» خلال الأشهر السبعة أو الثمانية الأولى بعد اتفاق سوتشي، وبالمنطق نفسه يمكن فهم فترة التسارع الحالية.
مركز أساس
إلى جانب الكلام السابق، ينبغي أن يبقى في الاعتبار أيضاً، أنّ الملف السوري ليس فقط أحد ملفات التوتر الدولي، بل ربما يكون من أهمِّها، إنْ لم يكن أهمَّها... فالميزات الجيوسياسية الخاصة بالملف السوري، بما يرتبط به من ملفات عديدة تشمل كامل المنطقة المسماة «الشرق الأوسط»، ووصولاً إلى مشروع الحزام والطريق، تجعل منه، أي: الملف السوري، ملفاً جوهرياً لاقتلاع الفوضى الخلّاقة من المنطقة، كخطوة لا بدّ منها في تجذير أساسات البنية التحتية للعالم الجديد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 928