المنطقة الآمنة: ثلاث فرضيات
ما زال الغموض يكتنف الاتفاق التركي- الأمريكي حول ما يسمى بالمنطقة الآمنة المزمع إقامتها في الشمال الشرقي من البلاد، ولعل سِمَة الغموض هذه، والتطبيق التدريجي للاتفاق حسب تصريحات الطرف الأمريكي، هما أخطر ما في الاتفاق بالنسبة لأبناء الشمال الشرقي وعموم المسألة السورية، إذ يُحوله إلى أداة ابتزاز أو تخادم بيد الطرفين، ويمنع حل المشكلة بشكل جذري، بل يُوظفها لصالح أجندة كل من واشنطن وأنقرة. فمع كل مرحلة من مراحل تنفيذ الاتفاق ثمة صفقات وشروط متبادلة سواء ما يتعلق بالملفات الإقليمية أو الدولية، أو الملف السوري. فالاتفاق يراعي وكما تزعم واشنطن ما يسمى المخاوف الأمنية لتركيا، الخوف ممن؟.. ويحافظ على استمرار المعركة ضد داعش، رغم إعلان القضاء عليها!
ثلاث فرضيات
من خلال التصريحات المتبادلة من الطرفين الأمريكي والتركي، وتصريحات قوى الإدارة الذاتية وردود أفعالها، يمكن الحديث عن ثلاث فرضيات فيما يتعلق بمصير الاتفاق.
الاحتمال الأول: إما الوصول إلى تسوية وتفاهم مؤقت بين تركيا ووحدات الحماية برعاية أمريكية، مما يعني بقاء الوضع قابلاً للانفجار، وفي اللحظة التي يريدها الراعي العتيد، وفي اللحظة التي تفرض عليه مصالحه المباشرة ذلك، لاسيّما وأنّ هذا الراعي بدّل موقفه خلال الأشهر الأخيرة لأكثر من مرة، فمرة سينسحب، ومرة لن ينسحب، ومرة سيخفض عدد جنوده، ومرة سيدعو الآخرين إلى المشاركة، ناهيك عما يعنيه الاتفاق من شرعنة الوجود التركي في المناطق المحتلة في عفرين وجرابلس- طالما هناك هواجس أمنية مشروعه- وإيجاد ذريعة جديدة بيد قوى الحرب في الإدارة الأمريكية لبقاء الاحتلال الأمريكي على الأرض السورية.
الاحتمال الثاني: فشل الاتفاق وإبقاء الوضع على ما هو عليه، مما يعني أيضاً فتح الباب على احتمالات شتّى، أقلُّها استمرار وجود الطرفين على الأرض السورية.
الاحتمال الثالث: إقدام الطرف التركي على مغامرة عسكرية ولو محدودة، وارتدادات ذلك على الداخل التركي، وما يعنيه ذلك من إشاعة الفوضى في الإقليم ككل من جهة، وزيادة التوتر في مناطق الشمال الشرقي بشكل خاص من جهة أخرى، وتأثير ذلك على البنية الديموغرافية في المنطقة.
الاتفاق والانقسام الأمريكي
إنّ الوصول إلى اتفاق لا يعني بحال من الأحوال خروج مناطق الشمال الشرقي من دائرة الخطر، خصوصاً في ظل الانقسام الأمريكي والصراع الدائر بين قوى الانكفاء إلى الداخل، وقوى الحرب والتمدد والتوسع، حيث تبين التجربة الملموسة في العديد من الملفات الدولية « كوريا- إيران– فنزويلا». أنّ الذي يستقر عليه الرأي الأمريكي في المحصلة النهائية هو رأي جماعة الانكفاء، رغم الهيستريا الإعلامية التي رافقت تطور الأوضاع في تلك الملفات، بمعنى آخر: إنّ الرهان على بقاء الأمريكي والتعويل على وعود بعض القوى في الإدارة الأمريكية هي مغامرة تنطوي على مخاطر كبرى، في ظلّ الانقسام الحاصل في الإدارة حيث تميل الكفة كما هو واضح لصالح جماعة الانكفاء، وعليه فإن أكثر ما يمكن أن تفعله واشنطن في محصلة توازن القوى الدولي أو الداخلي الأمريكي هو أن تترك وراءها الفوضى، وليس أكثر من ذلك.
الخروج من المأزق
إن المنطق السليم في التفكير تجاه أيّة حالة مأزقية كتلك التي تمر بها القوى المهيمنة في الشمال الشرقي من البلاد، هو العمل للخروج بأقل الخسائر، أما البقاء ضمن دوامة الصراع الإقليمي والدولي، ومتاهة الانقسام الأمريكي الداخلي، والاستناد على وعود هذه الجهة أو تلك في هذه الإدارة، معناه تحويل المسألة الكردية إلى سلعة في بازار المصالح الدولية والإقليمية.
وبكل الأحوال، وبغض النظر عما سيؤول إليه تطور الأوضاع في هذه المنطقة من البلاد، فإن ذلك لا يلغي حقيقة وجود مسألة كردية ينبغي أن تكون ضمن أجندة القوى الوطنية السورية، من خلال عملية الحل السياسي وبناء سورية الجديدة، لاسيّما أنّ الكثير من التعقيدات الحالية والتدخلات الدولية في هذا الملف تمر من خلال تلك الثغرات التي أوجدتها سياسات إنكار الوجود والإقصاء والتمييز القومي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 928