افتتاحية قاسيون 929: اصطفاف اليوم  يحدد موقعك غداً!

افتتاحية قاسيون 929: اصطفاف اليوم يحدد موقعك غداً!

تصدرت ثلاثة تصريحات عناوين الأخبار خلال الأسبوع الماضي، وهي على التتالي تصريح محافظ بنك إنجلترا المركزي «يجب البدء بالتخلص من اعتماد الدولار وإيجاد بديل احتياطي جديد»، وتصريحات ماكرون حول «انتهاء عصر الهيمنة الغربية»، وأخيراً تصريحات ترامب ضمن سجاله مع البنك الفيدرالي الأمريكي، والتي دفع من خلالها نحو تبني سياسة الدولار الضعيف.

إنّ التصريحات الثلاثة الماضية، ليست إلا اعترافاً صريحاً من رؤوس «الهيمنة الغربية التاريخية» بانتهاء هيمنتهم، وضرورة البحث عن سبل واقعية للتعامل مع العالم الجديد. أي أنّ العالم الذي كان يتغير بنشاط وبسرعة، ولكن دون إعلان صريح، بات معلناً عن تغيره من جانب «حكامه السابقين» بالذات.
وبهذا المعنى، يصبح الكلام الذي لطالما قالته قاسيون، ومنذ مطالع هذا القرن، ملموساً وواضحاً أكثر من أي وقت مضى؛ في العالم الآن قوى صاعدة وأخرى هابطة، والاتجاه التاريخي غدا ثابتاً نحو مزيد من صعود الصاعدين، ومزيد من تدهور الهابطين.
بهذا المعنى أيضاً، وفي ضوء هذه التصريحات، يصبح واضحاً أكثر ما قلناه في افتتاحية قاسيون الماضية «ليس أمام تركيا حل وسط»؛ فالقوة أو الدولة التي ستقف في صف المتراجعين، ستغرق معهم.
هذا الأمر لا يتعلق بتركيا فحسب، بل وبكل القوى والدول في منطقتنا وعبر العالم؛ بات يصح القول اليوم: قل لي أين تصطف ضمن التوازن الدولي الجديد، أقل لك أي مستقبل ينتظرك!
فيما يتعلق بالوضع السوري بشكل مباشر، فإنّ ثلاثة استنتاجات أولية يمكن وضعها في السياق العام نفسه للأفكار السابقة:
أولاً: إنّ الحديث المستجد عن «المنطقة الآمنة»، وما بدا من «تفهم روسي» للسلوك التركي، إنما يعني بالضبط، رفع درجة التنسيق بين الروس والأتراك بهدف تسريع تخفيض وزن الولايات المتحدة ضمن سورية وفي المنطقة عموماً، وعلى أساس تطبيق القرار 2254 وعلى أساس وحدة سورية واستقلالها.
ثانياً: حل الأزمة السورية لن يكون إلا على يد القوى الصاعدة، واستناداً لـ2254، ولأستانا وسوتشي، والسعي الغربي لإطالة أمد الأزمة السورية، لم يعد متعلقاً بالأزمة نفسها، بل بات معادلاً لمحاولات بقاء الغرب نفسه ضمن معادلة الاشتباك، بما يسمح بتأجيل خروجه من المعادلة كلها وقت إعلان النتائج التي باتت واضحة؛ أي بما يسمح بتأجيل الاعتراف النهائي والكامل بالتراجع.
ثالثاً: وفي الإطار ذاته، فإنّ كل قوة محلية أو إقليمية تُبقي على حبال ما مع الأمريكي وحلفائه، وتُعوّل عليهما، فليس لأنها تُعوّل على دور ما، سيمنحها إياه الأمريكي ضمن الحل، بل لأنها بالضبط لا تريد الحل، وتتوسل بشكل مباشر أو من تحت الطاولة بقاء الأمريكي، ليس لإطالة الأزمة السورية فحسب، بل أساساً لإطالة بقاء هذه القوى نفسها، التي سرعان ما ستتبخر ما إن يبدأ الحل الحقيقي الذي سيحدد مصير سورية المقبل لعقود عديدة قادمة

معلومات إضافية

العدد رقم:
929
آخر تعديل على الأحد, 01 أيلول/سبتمبر 2019 20:20