افتتاحية قاسيون 910: اجتثاث الفوضى الخلاقة من الإقليم
برزت خلال الأسبوع الفائت مجموعة من المؤشرات على بداية الانتقال من السِّر إلى العلن، بما يخص الجهود المبذولة لتهدئة الأوضاع الإقليمية، ونقلها شيئاً فشيئاً باتجاه أشكال طبيعية قائمة على التعاون بدلاً من العداء. يشمل ذلك العلاقات الثنائية بين إيران والسعودية، وبين السعودية وسورية، وبين سورية وتركيا.
ومن الواضح في هذا السياق أنّ مركز تنظيم هذه الجهود ليس سوى موسكو، وأنّ نواتها الصلبة هي ثلاثي أستانا، في حين أن حلقتها الأوسع هي مجمل دول الإقليم.
انتقال تأثيرات أستانا إلى حلقة أوسع منها، كان متوقعاً من كل من أدرك معنى هذه المنظومة كمنظومة إقليمية بتأثير دولي، وكتعبير أولي عن التوازن الدولي الجديد الذي يرتكز جوهره إلى إنهاء سياسات التبادل اللامتكافئ على المستوى الاقتصادي، وإنهاء سياسات التبعية والفوضى الخلاقة والتخريب على المستوى السياسي، وبكلام أكثر وضوحاً: إبعاد المنظومة الغربية وشرورها عن المنطقة بالتدريج.
إنّ انتقال جهود التهدئة في المنطقة من السِّر إلى العلن، هو بحد ذاته مؤشر على أنّ هذه الجهود قد قطعت شوطاً مهماً في تقدمها، وإنْ كان ذلك لا يعني بطبيعة الحال أنها اقتربت من نهاياتها، فما يزال أمام تلك الجهود درب صعب عليها أن تقطعه.
لا بد أن يبقى في البال، ولدى نقاش وتحليل هذه الجهود، أنّ جذور العداوات والتبعية والتخريب التي خلّفها الغرب وغذّاها بدءاً من الاستعمار الأوروبي ووصولاً إلى الأمريكي، لا تزال عميقة وغائرة، ولذا فإنّ تجاوزها لن يكون نتاج صفقات أو اتفاقات فحسب، بل سيكون نتاج عملية تاريخية ستأخذ مداها عمقاً واتساعاً. وإذا كانت الأنظمة التي تتسيَّد دول المنطقة حالياً هي بمعظمها أنظمة تابعة للغرب، ومعادية لشعوبها بشكل مباشر أو غير مباشر، فإنّ ذلك لا يُلغي حقيقة أنّ مصالح شعوب هذه الدول، ومصالح الدول نفسها بوصفها مؤسسات وبنى اجتماعية سياسية تاريخية، هي في التعاون والتقارب فيما بينها، وهذه المصالح هي بالضبط التي تشق طريقها حتى عبر القيادات التي تبحث عن مخارج من أزماتها، وعلى رأس تلك الأزمات تبعيتها لغربٍ مأزومٍ ومتراجع.
بالتزامن مع هذه العملية، لا تبدو مستغربة إطلاقاً، حملات الهجوم التي تشنها أوساط «موالية» وأخرى «معارضة»، على روسيا تارة، وعلى إيران تارة أخرى، بذرائع مختلفة، بينها الواقع المعيشي المتدهور بفعل العقوبات الغربية والفساد الكبير المحلي الذي ما يزال مصراً على شراء واستيراد البضائع من الغرب بأسعار أعلى من السعر الدولي، وينشر بين الناس أنّ الدول الحليفة ترفض بيعه تلك البضائع، في حين أنه هو من يرفض شرائها!
الطريف في شكل الهجوم الذي تديره قوى الفساد الكبير، أنه يذمّ روسيا ليمدح إيران، أو يذمّ إيران ليمدح روسيا بالتناوب، بما يُوحي بأنّ لدى هذه القوى من الغرور والحمق ما يدفعها لتخيّل أنها قادرة بذلك أن توقع فتنة بين البلدين...
إنّ منظومة العلاقات الإقليمية الجديدة التي هي قيد التشكّل بالمعنى التاريخي، ستقوم على ركيزتين أساسيتين: التعاون والتكافؤ بين الدول، وسيادة الشعوب على دولها، وهذا بالضبط ما يُؤرق الفاسدين الكبار وسماسرة الغرب، لا في سورية وحدها، بل وفي الإقليم بأسره!
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 910