افتتاحية قاسيون 907: إنتاج وإعادة إنتاج الحياة!
«وفقاً للمفهوم المادي عن التاريخ، يشكل إنتاج وتجديد إنتاج الحياة الفعلية العنصر الحاسم، في العملية التاريخية، في نهاية المطاف» كذلك يكتب أنجلس في رسالته حول المادية التاريخية عام 1890 إلى يوسف بلوخ.*
إن «إنتاج وتجديد إنتاج الحياة» في سورية، والذي سيتوقف عليه استمرارها اللاحق، يصطدم بجملة من المعيقات الضخمة، والتي إن لم تتم إزاحتها فإنها ستؤدي إلى خنق الحياة ومنع تجديدها، فاتحة الباب أمام مختلف أنواع المخاطر.
إنّ التكافل والتعاون بين الفساد الكبير وبين من يفرضون العقوبات الغربية، ليس التعاون بمعنى وجودهم معاً في موقع العداء للشعب السوري فقط، بل والتنسيق المتكامل بينهم الذي يغذون من خلاله فساد بعضهم البعض، هذا التعاون يشكل أحد أكبر التحديات التي تقف أمام إنتاج الحياة في سورية، وإنْ لم يجرِ التغلب على هذين المعيقين فإن عملية إعادة الإعمار التي يفترض بها أن تكون إعادة إنتاج للحياة، ستتحول إلى خنق نهائي لها يكرِّس الوصول إلى وضع الدولة الفاشلة، هذا إن بقي الحديث في حينه عن دولة واحدة فاشلة!
إنّ استمرار «التوجه غرباً» في التجارة الخارجية، وعبر الأبواب الخلفية والأمامية، ورغم العقوبات، ومن خلالها في بعض الأحيان، وكذلك استمرار تعطيل التوجه شرقاً بالمعنى الاقتصادي، ينسجم بشكل كامل مع ما نراه على الأرض من تعميق مطرد لسياسات اللبرلة الاقتصادية، بما تعنيه من انسحاب إضافي للدولة من السوق لمصلحة احتكارات الفاسدين الكبار في قطاعات لا تني تزداد وتتسع، وبما تعنيه من غياب أية محاسبة، ومن استثمارات عقارية وسياحية وخدمية لا تأتي على حساب الاستثمار في الصناعة والزراعة فحسب، بل وتبدو في معظمها استثمارات وهمية بالكامل، بالإضافة إلى الهجوم العنيف على ما تبقى من مكتسبات الطبقات المنتجة الأكثر فقراً وتهميشاً، وخاصة ما نشهده من هجوم على حقوق العمال.
إنّ رفع العقوبات الغربية بات مطلباً ملحاً، ولكن عدا عن أن تحقيقه ليس قريباً بالضرورة، فإنه حتى ولو تحقق ابتداء من الغد فإنه لن يكفي لحل المشكلات العميقة ولا لوضع أساس كافٍ لإعادة إنتاج الحياة؛ إذ ما دام الفساد الكبير ينهش الشعب السوري والاقتصاد السوري، فإنه لن يسمح بأي تراكم يبنى عليه إنتاج جديد، بل سيستمر في التهام ما تبقى من تراكم سابق وصولاً إلى وقف كامل لأي إنتاج حقيقي.
إنّ البدء السريع في تغيير البنية السياسية في سورية، وعبر الحل السياسي الشامل على أساس القرار 2254 وعبر المدخل الدستوري، هو الطريق الوحيد للحفاظ على ما تبقى من حياة في سورية، ولإعادة إنتاج الحياة، وهو الطريق لوضع أساس صحيح لعملية إعادة الإعمار.
إنّ إعادة الإعمار ذاتها، هي فرصة تاريخية لخلق نموذج اقتصادي- اجتماعي وسياسي جديد، نموذج يقوم على أعمق عدالة اجتماعية وأعلى نمو، نموذج من هكذا طراز هو الباب الوحيد الذي يمكن لسورية أن تلج منه إلى المستقبل، موحدة وقوية وسيدة ومستقلة!
* من انجلس الى يوسف بلوخ في كونيغسبرج
لندن في 21(22) ايلول 1890
صدرت للمرة الاولى في مجلة )der sozialistischer AKademiker)
لعدد 19 . 1895
كتبت باللغة الالمانية
sozialistischer AKademiker
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 907