افتتاحية قاسيون 901: كيف نستعيد السيادة الوطنية؟
تقول الفقرة الثانية من المادة الثانية من الدستور السوري المعمول به حالياً أن «السيادة للشعب، لا يجوز لفرد أو جماعة ادعاؤها، وتقوم على مبدأ حكم الشعب بالشعب وللشعب». والمعنى نفسه يمكن إيجاده في كل الدساتير السورية السابقة، أي: إنّ نقطة الانطلاق في فهم «السيادة الوطنية» هي سيادة الشعب السوري.
تشمل هذه السيادة، سيادة الشعب على أراضيه وحدوده وثرواته وقراراته الوطنية الكبرى في المجالات المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إنّ فهم السيادة الوطنية بصورتها الشاملة هذه، يسمح بتحديد الانتهاكات الواقعة بحقها، وحدود وحجم تلك الانتهاكات، ويؤسس تالياً لاستعادتها.
وإذا كان من الواضح تماماً أنّ وجود قوات أجنبية بشكل غير شرعي على الأرض السورية هو انتهاك للسيادة الوطنية يجب إنهاؤه، فإنه بالتأكيد ليس الانتهاك الوحيد، وأهم من ذلك أنه ليس الانتهاك الأول.
إنّ القرارات السياسية- الاقتصادية التي نقلت سورية باتجاه الليبرالية المتوحشة رافعة نسب الفقر والبطالة والتهميش، وممهدة الأرضية الداخلية لتفجير سورية، هي الأخرى انتهاك للسيادة السورية. إنّ تلك القرارات التي أنتجت توزيعاً للثروة الوطنية حصل بموجبه أقل من ربع السكان على أكثر من ثلاثة أرباع الثروة، هي انتهاك للسيادة الوطنية للشعب السوري، وانحياز لمصلحة قلة اقتصادية مسيطرة وناهبة.
إنّ استعادة السيادة الوطنية الشاملة، تعني بالضرورة إنهاء كل وجود غير شرعي على أرضها، وفي المقدمة الوجود الأمريكي، والاحتلال الصهيوني للجولان، ولكنها تعني أيضاً استعادة الشعب السوري لسلطته على ثرواته وعلى خيراته التي ينتجها...
وإذا كانت كل الدساتير السورية تعترف لفظياً بهذا الحق، ولكن الواقع العملي ينحو منحىً آخر، فلأنّ الأساس السياسي والقانوني السوري بمجمله لا يزال قاصراً عن ضمان هذا الحق، وعن ضمان هذه السيادة بشكل عملي، وليس لفظياً فقط.
إنّ تغييراً جذرياً وشاملاً للنظام السياسي والقانوني والاقتصادي الاجتماعي في سورية، هو ضرورة لا بديل عنها لاستعادة السيادة الوطنية السورية بمفهومها الشامل، وإنّ تغييراً بهذا العمق وعلى أساس حق الشعب السوري في تقرير مصيره، وضمن الظروف الدولية والإقليمية والمحلية، له مدخل واحد هو تنفيذ القرار 2254 عبر المدخل الدستوري.
إنّ انتهاك السيادة السورية، سيادة الشعب السوري، والذي مارسته وتمارسه أطراف مختلفة خارجية وداخلية، كان ولا يزال هدفه الأعلى هو إنهاء وجود سورية بالكامل، وهدفه الأدنى إلغاء دورها الوظيفي في المنطقة كعدو دائم للمخططات الأمريكية- الصهيونية. وإنّ التراجع الأمريكي- الغربي العام، وبدء تشكّل نظام جديد للعلاقات الدولية يقوم على علاقات التكافؤ، وتقوده دول حليفة لسورية تاريخياً، لهو الظرف الأكثر ملاءمة، ومنذ عقود، لاستعادة تلك السيادة بأبعادها الكاملة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية... وبما يتضمن تثبيت التموضع السوري في وجه المعسكر الغربي، ليس في حدود الشعارات السياسية فقط، بل ووصولاً إلى النموذج الاقتصادي ونمط العلاقات الاقتصادية الدولية لسورية...
إنّ الاتجاه الموضوعي الإلزامي هو نحو استعادة سيادة الشعب السوري الشاملة، وإنّ كل عائق سيقف في وجه هذه العملية، سيقوم الشعب السوري بإزالته.