كل الطرق تؤدي إلى 2254
يُروّج في أوساط الأمم المتحدة، وفي أوساط غربية، أنّه من الممكن للأمم المتحدة، في حال عدم نجاح دي مستورا في تشكيل اللجنة الدستورية قبل نهاية العام، أن تتخلى عن الملف السوري معلنة عجزها عن حلّه.
إنّ التفسير الأبسط لهذا التهديد، هو أن المجموعة الغربية ضمن مجلس الأمن، مع بعض حلفائها الإقليمين، تحاول رفع الضغط على روسيا وعلى السوريين، إلى حدود جديدة، لإرغامهم على القبول بلجنة دستورية مصممة لكي تفشل؛ على غرار الشكل الذي صمم وفقه جنيف2، بل وكل جنيف تلاه؛ حيث المتشددون هم الأكثرية الشكلية المتحكمة بمجرى الأمور، بغض النظر عن كون هؤلاء، وإذا جمعناهم إلى بعضهم البعض، في المعارضة والنظام، لا يمثلون معاً سوى جزء يسير من السوريين، هم بشكل خاص أولئك المنتفعون من استمرار الحرب.
وبما أنّ الدول الغربية تعلم أنه ليس بمقدورها فرض ما تريده عبر الأمم المتحدة، وعبر مجلس الأمن، فإنها إذ ترفع تحديها إلى هذا الحد، فإنما تراهن على أنّ الانسحاب الرسمي من الملف السوري سيعني نسف القرار 2254، وسيعني تالياً: العودة إلى نقطة الصفر، وهو الأمر الذي من شأنه إعادة فتح الآفاق أمام استمرار الحرب واستمرار الكارثة سنوات وسنوات.
ما تغيب من حسابات المجموعة الغربية هي الأمور الثلاثة الأساسية التالية:
أولاً: إنّ أي قرار يصدره مجلس الأمن الدولي هو ملك للدول الأعضاء جميعها في الأمم المتحدة، وليس ملكاً لجزء من تلك الدول، وبالتالي فإنّ الحق في تطبيقه وفقاً للقانون الدولي هو حق شامل لكل من يستطيع فعل ذلك.
ثانياً: إلى جانب مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة، هناك مساران مشرعنان أممياً هما مسارا أستانا وسوتشي، وهما معنيان أيضاً بتطبيق القرار 2254، وإذا تخلت الأمم المتحدة عن وظيفتها في تطبيق هذا القرار، تحت ضغط المجموعة الغربية، فإنّ المسارين البديلين سيصبحان هما المسار الأساس.
ثالثاً: إنّ الدول صاحبة الفعل والوزن والتأثير الحقيقي ضمن الوضع السوري، هي بالدرجة الأولى ترويكا أستانا- سوتشي، وليس بعيداً ذلك الوقت الذي سيجري فيه إرغام الولايات المتحدة على الخروج الكامل من سورية، رغم كل الإشارات والأفعال التي تريد القول من خلالها إنها «باقية وتتمدد»؛ فكما تم إنهاء صنيعتها الداعشية من حيث المبدأ، فإن بقاءها هي نفسها في سورية هو أمر لن يُسمح به طويلاً...
إنّ الإسراع في تشكيل اللجنة الدستورية هو ضرورة قصوى في الظرف السوري الذي يمر وقته عبر عداد الدم السوري، ولذلك فإنّ اللجنة ستتشكل سواء عبر عملية جنيف أو دونها، لأنّ المعيار المهم الآخر إلى جانب الوقت، هو: الجودة والكفاءة؛ إذ لن يتم السماح للمجموعة الغربية، وتحت ذريعة الوقت، أن تنتهك سيادة السوريين وتفرض عليهم تصوراتها حول اللجنة الدستورية من حيث التركيبة ومضامين وآليات العمل، بحيث تكون لجنة مضمونة الفشل، وظيفتها تضييع مزيد من الوقت وهدر مزيد من الدم السوري...
القرار 2254 هو ملك للشعب السوري أولاً وأخيراً، وتطبيقه هو طريق خلاصه، الذي سيجد في القريب العاجل الطريقة المناسبة لتطبيقه بالتعاون مع الدول المؤثرة وذات المصلحة في إنهاء الأزمة السورية، ولذا فإنّ كل الطرق ستؤدي إلى 2254.