عرفات: أمريكا المتراجعة لن تستطيع حماية «إسرائيل» طويلاً
أجرت إذاعة «ميلودي إف إم» حواراً مع أمين حزب الإرادة الشعبية، والقيادي في جبهة التغيير والتحرير، علاء عرفات، بتاريخ 8/7/2018، تناول آخر المستجدات السياسية المتعلقة بالحل السياسي للأزمة السورية. فيما يلي، تعرض «قاسيون» جزءاً من هذا الحوار. الذي شمل عناوين ومحاور عديدة:
المنطقة الجنوبية ودلالاتها
تُقرأ الأحداث الجارية في المنطقة الجنوبية، ليس فقط كإنجاز وصول الجيش السوري إلى الحدود، بل ينبغي أن ننتبه إلى دلالات الطرح الأمريكي والمطالب بالعودة إلى فصل القوات لعام 1974، فما الذي يعنيه ذلك؟ إذا عدنا إلى المطامح الخارجية المرتبطة بالأزمة السورية، يمكن تصنيفها كمجموعة من الأهداف. الأول: تقسيم سورية وإنهاؤها، الثاني: إلغاء دور سورية بالمعنى التاريخي. أي: إلغاؤها ككيان وطني يمنع الكيان الصهيوني من ممارسة ما يريد خلال فترة طويلة من الزمن.
وانطلاقاً من هذا فإن مطالبة العدو بالعودة إلى اتفاق عام 1974 يعني: أنه رغم كل ما جرى، وكل التدخلات والقوى التي استخدمت في هذه الأزمة، فإن سقف طموحات العدو اليوم، هو: العودة إلى ما كان عليه الوضع في عام 2011. حيث يريد «الإسرائيليون» الرجوع إلى هذه النقطة، ما يعني: أنهم غير قادرين على تجاوزها ضمن إطار موازين القوى الحالية بالمعنى الدولي والإقليمي والمحلي. والآن أصبح يسعى كي لا تكون هناك قوى إيرانية وقوات حزب الله وغيرهم قريبة من الحدود، ويحاول وضع مسافات، كل هذا يشير إلى أن الوضع التي أصبحت عليه الحدود الحالية، والتي تعتبر مناطق الفصل بين القوات السورية، وبين مناطق تمركز العدو الصهيوني، أصبحت بالنسبة له هدف يجب الرجوع إليه، إلى مناطق الفصل السابقة. بينما الحديث عن منطقة عازلة أوسع في الجنوب، وكذلك تم الحديث عنه في الشمال كله لم يعد وارداً.
الخلاصة، بغض النظر عن تفاصيل الأزمة السورية السابقة والحالية، فقد أصبح الكيان الصهيوني، وبالإطار الإقليمي، يشعر بالخوف الحقيقي من المستقبل، وطموحاته بتفتيت الدول المجاورة والسيطرة عليها تنهار واحدة تلو الأخرى.
لذلك، إننا ننظر إلى اتفاق المنطقة الجنوبية ضمن هذه الأبعاد، إضافة إلى ما يدل عليه هذا الاتفاق بطريقة وسرعة سيره، على أن الميل نحو الحل السياسي عند جميع الأطراف يتعزز، والأمور لم تعد تُحل بالقتال. هناك من يريد أن يقرأ الأمور على أن المسلحين استسلموا وتنازلوا، ولكن ماذا يعكس هذا؟ إنه يعكس ميزان القوى، بأن موضوع السلاح والعمل المسلح ككل انتهى زمنه، وهذا يمتد على كل حملة السلاح.
آخر أيام حماية «إسرائيل»
يحاول الأمريكيون حماية الكيان الصهيوني، الذي بدوره يدرك هذه الحماية، ويعلم تمام العلم أنها مؤقتة، ولن يكون الأمريكيون قادرين على حمايتهم لاحقاً، لذلك فإن «الإسرائيليين» يسعون لإيجاد وضعٍ جديدٍ من وجهة نظرهم يسمح لهم بالاستمرار. واضعين بحساباتهم الخروج التدريجي للأمريكان من المنطقة.
اليوم، الأمريكان يحاولون أن يرتبوا وضعاً مناسباً قدر الإمكان للكيان الصهيوني، لأنهم بعد ذلك لن يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً. أمريكا لم تعد أمريكا التي نعرفها، وقد كان لنا استنتاج سياسي نظري ليس من الآن بل من 18 عاماً، من عام 2000، حيث قلنا أن مستقبل الكيان الصهيوني أصبح موضع نقاش من حيث وجوده أو عدم وجوده. فهذا الكيان الذي جرى تأسيسه بالطريقة المعروفة عام 1948 غصباً وحمايةً من الإنجليز سابقاً ثم الأمريكيين، يرتبط بالحماية الخارجية، وهذه الحماية لم تعد موجودة، وآخذة بالتراجع. وأصبح من حقنا الطبيعي أن نتحدث أو نقول أو نتساءل: إلى متى سيستمر الكيان... إن مسألة وجوده ككيان صهيوني عدواني، أصبحت موضوعة على الطاولة أمام شعوب المنطقة ودولها وأمام العالم.
الأمريكيون سيخرجون مع غيرهم
نظرية انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية، لا نتحدث بها نحن فقط، بل أصبحت موضوعاً مناقشاً بوضوح في جميع مراكز البحث حول العالم، وعلى جميع الدوريات والصحف الدولية، والجميع أصبح مقتنعاً بتراجع الولايات المتحدة الأمريكية الذي أصبح واقعاً ملموساً.
الوجود الأمريكي في الشمال السوري، وفي منطقة التنف، لا مستقبل قريب له، عندما أقول لا مستقبل فلست أقصد بالسنين بل أقصد أسابيع وأشهر، فالأمريكان لم يعد لديهم عمل هناك! بل أصبح تواجدهم عبئاً عليهم لن يستطيعوا احتماله، وكذلك الأتراك سيخرجون، وستسير الأمور في سورية نحو خروج جميع القوات الأجنبية.
قد تحدث صدامات عسكرية في المنطقة الشرقية، ولكنها ستقتصر على بقايا داعش على الأرجح في جبهة دير الزور، وفي المنطقة الشرقية وجزء من البادية، حيث ما تزال هناك بقايا لداعش. ولكن فيما يتعلق بمناطق وجود الأمريكان الأخرى أي: الجزيرة السورية وبقية المناطق، أعتقد أن الأمريكيين وغيرهم سيخرجون وفق اتفاقات، ذات طابع دولي. حيث يجب ربط الأحداث ببعضها.
قبل أسابيع قليلة في قمة ترامب، في كوريا الشمالية، هذه القمة التي شارك بإنجاحها بالدرجة الأولى الروس، والصينيون بالدرجة الثانية. أي: جرى اتفاق دولي أمريكي روسي صيني كوري حول الملف في كوريا. لإزالة السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، ليس فقط سلاح كوريا الشمالية بل أيضاً السلاح الأمريكي الموجود في كوريا الجنوبية، بالإضافة إلى انسحاب القوات الأمريكية من شبه الجزيرة الكورية، ووقف المناورات العسكرية وإلغاء العقوبات تجاه الكوريا الشمالية وإلخ... هذا البرنامج لم يرَ النور بشكله الكامل بعد، والمباحثات تجري حوله، يدل على ذلك الزيارات المتكررة لوزير الخارجية الأمريكي بومبيو إلى كوريا.
حدث تنازل في الموضوع الكوري، وتم حل المسألة، التي كان حلها ضرورياً للأمريكيين. فوجود السلاح النووي الكوري يهدد الولايات المتحدة الأمريكية مباشرةً. وقد سهل الروس الموضوع الكوري، مقابل ثمن أرجح أنه في سورية وأوكرانيا، ضمن إطار الاتفاقات الدولية. وهو ما سيظهر في قمة ترامب_ بوتين القادمة، حيث الملف الكوري والسوري سيوضعان على طاولة القمة. وربما نتكلم عن خروج أمريكي من سورية وكوريا واحدة مقابلة واحدة، بالإضافة إلى تسهيل الملف الأوكراني، حيث ستكون المخرجات متمثلة بالانسحاب الأمريكي من سورية.
الانكفاء الأمريكي بمصلحة الشعوب
برنامج ترامب الانتخابي يحمل شعار استعادة عظمة أمريكا، ويقول «أمريكا أولاً»، والناظر إلى هذا البرنامج للوهلة الأولى، يمكن أن يفهم الأمور بصورة عكسية، ولكن البنود التي بدأت تطبق تقول: أنه برنامج الانكفاء الأمريكي.
تكلم ترامب عن الهجرة في موضوع المكسيك، وبدأ بتطبيقه، وتكلم عن اتفاقيات اقتصادية أراد إلغاءها وألغاها: مثل: اتفاقية نافتا، اتفاقيات التجارة عبر الأطلسي، وعبر المحيط الهادي، وألغى العضوية الأمريكية والالتزام باتفاقية المناخ، ويخرج عملياً من اتفاقية التجارة العالمية عبر التعرفات الجمركية، والعقوبات، وكذلك يهدد بتفكيك الناتو.
فما الذي يمكن أن يكون الانكفاء والتراجع، إذا لم يكن كل هذا التراجع عن الدور القيادي للولايات المتحدة في صياغة وفرض كل هذه الاتفاقيات، التي يخرجون منها محاولين الاستفادة من هذه العملية!
رغم التوسع العسكري الأمريكي الكبير خلال العقود الماضية، فإن ما تحدث عنه ابن خلدون ينطبق على الولايات المتحدة كغيرها، إذ قال: كيانات الدول تبدأ ثم تتصاعد ثم تهبط، ونحن نشهد النقطة بين نهاية الصعود وبدء هبوط الولايات المتحدة الأمريكية. فكل الإمبراطوريات بالتاريخ تمر بهذا. وأمريكا أسرع إمبراطورية في الصعود والهبوط حيث لم تستمر هذه العملية أكثر من 100 سنة.
وهذا يرتبط بسرعة التطور التاريخي في العالم، ما نراه هو هبوط الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن يجب الانتباه أنها تتراجع لكنها لن تصبح صفراً، بل ستبقى أحد اللاعبين الكبار الذين يتراوح عددهم بين 5 _ 10 قوى عبر العالم، مكونين من جماعة البريكس مضافاً إليهم الغربيين.
وهذا التعدد في الأطراف والقوى بمصلحة الشعوب. ولذلك قلنا: إن سورية ستخرج من أزمتها، بناء على اللحظة التي حدثت فيها، في لحظة مفصل دولي، وتغير بالأوزان. ما يعطي الأمل بالذهاب إلى المكان المطلوب، ولو حدث ما حدث في سورية قبل سنتين أو ثلاثة سنوات لكانت المشكلة أكبر.
حول المنطقة الشمالية الشرقية وإدلب
فيما يخص المنطقة الشمالية الشرقية، وحيث تتواجد القوات الأمريكية، يجري الحديث حالياً عن إمكانيات الحوار بين الأطراف السورية، الحكومة وقوات سورية الديمقراطية، وإمكانية تسليم مناطق، مثل: الرقة كبداية، والحديث عن تسليم النفط، وغيرها مما يتم تكراره إعلامياً، ونفيه... فإننا نعتقد بأن شيئاً من هذا لن يحدث قبل ظهور ملامح كاملة للانسحاب الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية.
وحتى لو كان الأمريكيون قد أعطوا ضوءاً أخضر لهذه القوى للتفاوض مع الحكومة، إلّا أن هذا لا يمكن الركون إليه، فمجرد وجود القوات الأمريكية هو مصدر توتر في حال دخلت القوات السورية.
وفي النهاية الحل في هذه المنطقة يجب أن يكون حلاً سياسياً، بالمفاوضات وعودة بسط سلطة الدولة السورية على كافة المناطق واستعادة نشاطها، وتجميع واستعادة وحدة البلاد، وسيادة الدولة على هذه المناطق. وباعتقادي أنها أقرب منطقة قابلة للحل السياسي لأن الجو فيها إيجابي، ولكن بعد خروج الأمريكان، حيث لن يكون هناك أي مانع للشروع بالحل.
في إدلب سيكون هناك عمل هجين، أي: عمل عسكري اتجاه قوى الإرهاب إضافة إلى نوع من تفكيك الفصائل المسلحة وإنهاء تواجدها بالمعنى السابق إضافة إلى خطوات سياسية، وكل هذا يفتح الباب أمام خروج القوات التركية، لأن اتفاق خفض التصعيد له مجموعة بنود وهذه البنود ينبغي تنفيذها والذهاب إلى عملية سياسية.
التطورات الجارية في سورية منذ أحداث حلب وحتى الآن، تقول: إن الاتجاه الذي كان يريد ذهاب سورية إلى تقسيم قد هُزم وتراجع، والآن نحن نشهد نهايات هذا الوضع، والأزمة بحد ذاتها أصبحت، دعني أقول: أقرب للحل في إطار السياسي بعد إنجاز القضايا العسكرية التي لابد منها، التي تسير شيئاً فشيئاً جنباً إلى جنب مع المسائل السياسية. ولن يكون هناك تواجد خارجي لقوى عسكرية من دول أخرى، ولكن هذا سيجري بالتدريج، وبالتوازي مع السير التدريجي في الحلول السياسية.
مصير الوجود التركي في سورية
عملية خروج الأتراك هي عملية مهيّأة، فشكلياً وجودهم غير شرعي، الأتراك في مأزق غير سهل، فإذا نظرت إلى الوضع الاقتصادي التركي الآن، والتطورات المحتملة أمام تركيا هي تطورات جدية، وهم ليسوا بموقع دخول معارك وحروب، إذ لم يعد هذا الموضوع وارداً مع تفاقم تناقضاتهم الداخلية في الاقتصاد التركي، والقضية الكردية. لن يستطيع الأتراك أن يفرضوا ما يريدون في سورية لا بل العكس، الدور التركي سيتحول إلى دور صفري بالتدريج فيما يتعلق في سورية، ونحن أمام هذه المرحلة. ولن يتجاوز العلاقات العادية بين بلدين جارين، أي: لا نفوذ عسكرياً، أو سياسياً، بل علاقات طبيعية بين دولتين جارتين، وهذا مصلحتنا ومصلحتهم الحقة.
البعض يتخوف من ضم عفرين إلى تركيا كما حدث في لواء إسكندرون، ولكن هذا عصر وذاك عصر، فعندما أخذ الأتراك لواء إسكندرون في عام 1939 كانت الدولة العثمانية قد خرجت حديثاً من المناطق السورية في عام 1918، عندما ابتز الأتراك الفرنسيين ليعطوهم اللواء، مقابل عدم وقوفهم مع الألمان. وكان اتفاق أعطت بموجبه فرنسا الاستعمارية لتركيا هذه المساحة بالطريقة التي نعرفها.
اليوم، هذا عصر آخر مختلف تماماً، سورية كيان واضح معروف دولياً وتاريخياً، وأصبح عمرها مئة عام كما نعرفها الآن، وموضوع المطامع في هذا المعنى لم يعد ضمن إطار الدول، الآن لم يعد هناك شيء اسمه احتلال مباشر، هذه المسألة انتهت، شكل الاستعمار الحديث لا يشمل مسألة الاحتلال والضم المباشر في ضوء ميزان القوى الدولي الجديد.
الأتراك سيخرجون ولن يستطيعوا أن يضموا ولا متراً من سورية فهذا غير وارد في عالمنا اليوم، الحدود السورية ستبقى على حالها السابق، بل أعتقد أنه أصبح هناك احتمالات لاستعادة الجولان والاحتمالات أكبر من السابق مع تخلخل الوضع الدولي. فنحن اليوم حدودنا منقوصة، ولدينا أراضٍ محتلة وهذا غير مقبول، وهناك قرارات دولية واضحة تتعلق بالجولان، والكيان الصهيوني في حالة أضعف والأمريكان يخرجون من المنطقة، لذلك احتمالات استعادة الجولان، سواء عسكرياً أم سياسياً أصبحت أكبر من السابق بكثير وأقرب.
اللجنة الدستورية
أجرت وكالة تسنيم الإيرانية حواراً مع الرفيق علاء عرفات أمين حزب الإرادة الشعبية، وتركز حول مسألة تشكيل اللجنة الدستورية، وجاء فيه:
«الإصلاح الدستوري يمكن أن يكون إصلاحاً جزئياً وممكن أن يصل إلى دستورٍ جديد، أما تركيبة اللجنة فأرجح أن تكون بالمثالثة تقريباً بين: النظام، والمعارضة، والمجتمع المدني. حيث كل طرف سيقدم حوالي 50 مرشحاً، بينما سيتم انتقاء 15 أو 16 منهم. قائمة المعارضة ينبغي أن تستند إلى قرار مجلس الأمن وتضم المنصات: موسكو_ الرياض_ القاهرة، يضاف إليها الأطراف المشاركة في مؤتمر سوتشي، وأرجّح أن تشارك الفصائل المسلحة المعتدلة، الموافقة على الانخراط في الحل السياسي، والقرار 2254، ومخرجات سوتشي، ومنها الموجودون في أستانا بالتأكيد.
تسربت قوائم مزورة لأسماء لجنة المعارضة المقترحة، وهي غير صحيحة، ومن طرفنا أرجح مشاركة مهند دليقان، والدكتور قدري جميل. سيكون اجتماع الدول الضامنة القادم نهاية هذا الشهر مكاناً لمناقشة موضوع اللجنة، إذ كانت الخلافات كبيرة في الاجتماع الماضي، أرجح أن اللجنة لن ترى النور خلال الأسابيع القادمة، وستأخذ القصة شهرين أو ثلاثة».