اللجنة الدستورية... تفاوض مباشر على أسس للمستقبل
اجتمع مجلس الأمن بتاريخ 14-2-2018 لمناقشة العملية السياسية السورية، وللاستماع إلى إحاطة المبعوث الدولي الخاص إلى سورية ستيفان ديمستورا... في هذه الجلسة كان هناك معطى جديد فرضه مؤتمر سوتشي على مسار العملية السياسية السورية، وهو أولاً: أن توافقاً على النقاط الـ 12 كمبادئ دستورية قد حصل، وثانياً والأهم: تشكيل الأمم المتحدة للجنة الدستورية...
اعتبر ديمستورا المبعوث الدولي، أن تشكيل اللجنة سريعاً، هو واحد من أهم مهمات دفع العملية السياسية حالياً، ولم يعترض أي من الأطراف الدولية على ذلك، بل صدرت خلال هذه الفترة تصريحات أمريكية حتى بالتسليم بأن مسار وجود اللجنة الدستورية أصبح أمراً واقعاً، فرضه النشاط السياسي الفعّال للضامنين الثلاثة، وفي مقدمتهم روسيا.
تحولت اللجنة الدستورية إلى محور المباحثات السياسية لكل الأطراف السورية، ووسط الإصرار الروسي عليها، على اعتبارها نتاج العمل الدبلوماسي الروسي مع الأطراف الضامنة الإيرانية والتركية، ومع الأمم المتحدة، ومع الأطراف السورية في الحكومة والمعارضة.
ثلاث مهمات للجنة الدستورية
واللجنة الدستورية التي أقرّ تشكيلها بين وفد الحكومة، ووفود المعارضة سواء من حضر منها في سوتشي، أو من لم يحضر، ومن طرف ثالث من المستقلين وهيئات المجتمع المدني، وتمثيل نسائي واجتماعي ومناطقي، وغيرها من الضرورات التي يجب أن تكفل أوسع تمثيل ممكن للأطراف السورية، كي تسد الثغرة الموجودة في وفد المعارضة، الذي رغم تضمنه للمنصات الثلاث كما يشير قرار مجلس الأمن 2254 إلا أنه لا يمكن أن يعبر عن أوسع طيف تمثيلي سوري.
الهدف من تشكيل اللجنة واضح ويمكن تلخيصه في النقاط التالية:
1_ تحريك المفاوضات المباشرة عبر تواجد ممثلين عن كل الأطراف في لجنة واحدة، تبحث في السلة الدستورية المفصلية، التي ترسم معالم نظام سياسي جديد لسورية في المرحلة القادمة.
2_ التأكيد على أن مسار الحل السياسي السوري، هو مسار دولي، عبر تسليم عملية التشكيل النهائي للجنة إلى الأمم المتحدة بالتوافق مع الأطراف، وعملها في جنيف في إطار محادثات السلام السورية التي تهدف إلى تطبيق القرار الدولي 2254. فمستوى تدويل الأزمة وتعقيدها يتطلب بالضرورة، وجود أطراف ضامنة دولية في إطار الحل، لكي تلتزم بمخرجاته، فإن لم تشارك وتحضر وتنال توافقاً دولياً، فإن الحلول ستبقى قاصرة عن إلزام الأطراف الدولية بما سيتوافق عليه السوريون.
3_ حل الإشكالات العالقة في نقص التمثيل، الناجم عن طريقة وآليات ومسار تشكيل وفد المعارضة، في المؤتمر الذي تم في الرياض، فالمفاوضات السورية لا يمكن أن تقلع فعلياً، وسط ارتهانها لمجموعة واسعة من المتشددين الموجودين ضمن الوفد، تركز على التصريحات النارية، وتكرار الشروط المسبقة، وتعلق آمالها على (الدخول الفاعل) للطرف الأمريكي على مسار الحل السياسي ليزجر الدور الروسي! وترتكب أخطاء سياسية، مثل: عدم مشاركتها في مؤتمر سوتشي، أي: رفضها للمشاركة في مسار من مسارات تحريك الحل السياسي في سورية. بالإضافة إلى أنها تلعب دوراً معيقاً في موقفها المتطرف من قوى سياسية هامة في سورية، مثل: الأكراد، وتستخدم آلام المدنيين السوريين المتضررين من الصراع بشكل انتقائي، فتتباكى على إدلب، وتتغنى بالأعمال العسكرية على عفرين! اللجنة الدستورية يفترض أن تؤمن بيئة تفاوض أوسع تمثيلاً تجعل المتشددين أقل قدرة على الهيمنة.
يمكن القول: إن هذه هي المهمات الأساسية التي حركت مبادرة تشكيل اللجنة الدستورية المنبثقة عن مؤتمر سوتشي، والتي فعلياً بتطبيقها يتحقق جزء هام من سحب أدوات عرقلة إقلاع التفاوض المباشر: حيث إنها ستكون برعاية دولية، وإقليمية، وبتمثيل أوسع وأكثر توازناً، ومعنية بمسائل جوهرية حول الدستور، أي: معنية بفتح النقاش التوافقي بين الأطراف، حول عماد النظام السياسي الجديد في مستقبل سورية القادم.
رفض اللجنة الدستورية سلوكاً متشدداً
إن من يرفض نتائج مؤتمر سوتشي المتوافق عليها بين كل الأطراف المحلية والإقليمية، التي كانت معنية وموافقة على عقد المؤتمر، يرفض عملياً التفاوض المباشر، والبحث في عملية التغيير المستحقة في سورية، ليست فقط مستحقة بقوة القرارات الدولية كالقرار 2254، بل بالدرجة الأولى بسبب الضرورات الوطنية للانطلاق نحو حلول سياسية شاملة، تجمع السوريين على الجديد القادم... هذه الحلول التي دونها لن يكون لأي نتاج عسكري أي: معنى فعلي، طالما أن الاحتقان الاجتماعي، ومقومات الفوضى والعنف لا تزال قائمة في سورية، هذه المقومات التي لا يلغيها إعلان سحب رايات (داعش) من هذه المنطقة أو تلك! فالإرهاب هو أداة الطرف الدولي الذي يريد استمرار العنف في سورية إلى ما لا نهاية، والذي يستطيع أن يجترح أشكال الإرهاب والتصعيد بشكل مستمر، طالما أن الوحدة الوطنية السورية متصدعة بغياب التوافق السياسي الوطني الشامل، المرعي دولياً. الإرهاب ومشروع الفوضى لا يحاربه إلا الجدية الكاملة والالتزام الفعلي بكل خطوة للأمام في الحل السياسي السوري، ولا يدعمه إلا التشدد وعرقلة خطوات الحل بهذه الذريعة أو تلك...
في الأطراف السورية كلها حكومة ومعارضة، هناك من يرفض تشكيل اللجنة الدستورية اليوم، ولكل منهم أسبابه وذرائعه. فمن غير المفهوم ذرائع البعض من الرافضين، طالما أن مسألة سيادة السوريين على دستورهم مضمونة، فكل ما سينتج حول الدستور لن يتحول إلى أمر واقع دون الموافقة الشعبية عليه، التي يعدّ الاستفتاء العام أداتها الأساسية. تتعدد الذرائع لدى الأطراف ولكن المحصلة واحدة: عرقلة السير نحو عملية التفاوض المباشر على مفاصل المنظومة السياسية السورية الجديدة المطلوبة وطنياً اليوم. ولكن هذه العرقلة دونها توازنات القوى الدولية، التي تقول: إن حل المسألة السورية حلاً سياسياً شاملاً أمر مستحق وضروري: سورياً، وإقليمياً ودولياً.