سوتشي VS الفضاء القديم
وضعت واشنطن وبعض القوى الأوروبية كامل ثقلها خلال الشهر الأخير، ضمن اتجاه واضح هو: «العمل لإفشال سوتشي»، بوصفه «محاولة للانحراف» عن جنيف وعن 2254. وفي هذا الإطار يمكن أن ندرج ما يلي:
عمل إعلامي مكثف ضد المؤتمر، اشتركت به الشبكات الإعلامية الغربية الأساسية جميعها، وملحقاتها العربية، بما في ذلك الصحف الأساسية، ومواقع التواصل الاجتماعي.
الدفع باتجاه إصدار بيانات رافضة بالجملة، ومحاولة إظهار حراك شعبي رافض لم تنل من النجاح نصيباً يذكر.
محاولة تكريس «الجولة الأوربية الأمريكية» التي قام بها أعضاء من هيئة التفاوض المعارضة، لتكريس رفض سوتشي بشكل غير مباشر، ولتأخير التواصل مع الروس حتى اللحظة الأخيرة، بل ومنعه إن أمكن.
الدعوة لجولة من يومين في فيينا، ضمن دعاية أن هذه الجولة هي «اختبار» لنوايا الروس ومدى جديتهم في الحل السياسي، وأن القرار من سوتشي سيُتَّخذ على أساسها، ضمن معادلة (إن نجحت فيينا فلا داعيَ لسوتشي، وإن فشلت نرفض سوتشي لأن الروس لم يثبتوا الجدية الكافية)!
إطلاق الاستراتيجة الأمريكية الخاصة بسورية، والتي تعطي إيحاءات بأن واشنطن «ستعود بقوة» للملف، وكأنها تركته يوماً واحداً كي تعود إليه!
العمل على تشكيل مجموعة الخمسة (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، السعودية، الأردن) في محاولة لموازنة ثلاثي أستانا والعمل ضده.
التغرير بقوات سورية الديمقراطية، بأن الدعم الأمريكي لن يتوقف عنهم، وأنهم معهم حتى النهاية، وأن إعادة الإعمار في مناظقهم قاب قوسين، لاستفزاز الأتراك من جهة، ولمحاولة إبعاد قسد عن مجال التأثير الروسي، ومن ثم تركهم لمصيرهم في عفرين (الأناضول: رئيس القيادة المركزية في الجيش الأمريكي الجنرال جوزيف فوتيل، يؤكد أن تركيا أطلعت بلاده على عمليتها العسكرية في عفرين، مشيراً إلى أن المدينة لا تقع في نطاق العمليات العسكرية لأمريكا. الأحد 21/01/2018)
الإعلان عن بدء تشكيل «جيش جديد» في شمال سورية، نواته الفعلية هي من نتاج تدوير عناصر من داعش خرجت من الرقة ومن غيرها دون قتال.
ما سبق ليس أكثر من الخطوط العامة لما «اجتهد» الغرب لفعله خلال الشهر الماضي «ضد سوتشي». ولكن حقيقة الأمر أنه عمل ضد جنيف نفسه، وكما قد عرضنا في مقال سابق (راند_ النصرة صندوق باندورا) طبيعة المخطط الأمريكي الراهن، والمعلن.
ونضيف هنا، أن قدرة واشنطن على تعطيل الحل السياسي وتكريس الاستنزاف، أكبر بكثير من قوتهم الفعلية، ليس على الأرض السورية فحسب، بل وعلى المستوى الدولي أيضاً، فما تفسير ذلك؟
إنّ نقطة الارتكاز الأمريكية الأساس حتى اللحظة، هي ما يمكن تسميته الفضاء السياسي القديم، ليس على المستوى السوري فحسب، بل وعلى المستوى الدولي بأسره...
في سورية، القوى السياسية الظاهرة على السطح تنتمي في معظمها للفضاء القديم، الذي يسلك أحد سلوكين: الجزء الوطني، يتعامل بسذاجة ما بعدها سذاجة مع ما يجري فيقول: بالحسم العسكري، وحين يضطر للقول بالحل السياسي يتحدث عن عملية شكلية تجميلية. وهذه وتلك لا نصيب لهما من النجاح الفعلي في حل الأزمة، أو محاربة الإرهاب، بل تسهمان في تعقيد الأمور. الجزء غير الوطني، ويشمل الفاسدين الكبار وتجار الحروب في المعارضة والنظام، وأصحاب مشاريع النهب والتقسيم وأصحاب العقول الانقلابية، وهؤلاء يتناغمون بشكل تام مع الأمريكي، ويساعدونه في إطالة الأزمة، عبر ممانعتهم تقديم التنازلات، وعبر تمسكهم بشعاراتهم الفارغة.
في المنظمة الدولية، منظمة الأمم المتحدة، ورغم تحول ميزان القوى الدولي، إلا أن هذه المؤسسة لا تزال غربية الهوى بشكل كبير، ولهذا فإنها تلتزم في معظم أفعالها النهج الأمريكي الغربي المعطل والمعرقل.
وفي المنظومة الأوربية كذلك، فإنّ الفضاء السائد حتى اللحظة هو: الفضاء القديم ذاته الذي تشكل ضمن علاقات التبعية المذلة لواشنطن.
الجيد في الأمر كله، أنّ تحقيق الحل السياسي في سورية، وتنفيذ القرار 2254، وضمناً الإسهام الذي سيقدمه مؤتمر سوتشي في هذه العملية، لن يكون هزيمة لقوى التشدد والفساد السورية فحسب، بل سيكون هزيمة للفضاء السياسي القديم بأكمله، وعلى المستوى العالمي... وهذا الأمر لم يعد بعيداً أبداً، وأول غيثه سيكون في سوتشي!