لتسريع تنفيذ 2254
منذ أن تم تدويل الأزمة السورية، وخرج التحكم بها من أيادي السوريين، باتت المهمة الأساس استعادة السوريين لقرارهم وسيادتهم
ومن «حسن حظ» الشعب السوري، إن هذا التدويل جرى في ظل ميزان القوى الدولي الجديد، الذي يتوافق مع هذا الحق، فكانت سلسلة المبادرات من جنيف وجولاته المتتابعة، إلى توافقات فيينا، وقرار مجلس الأمن 2254 واتفاقات استانا لخفض التوتر، إلى تشكيل وفد واحد للمعارضة السورية، إلى مؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده في سوتشي، كلها نتاج دور القوى الدولية الصاعدة، وبالدرجة الأساسية الدور الروسي، الذي اتسم بالوضوح، والواقعية، والمرونة والثبات، فلا إقصاء لأحد، ولا هيمنة لأحد بنفس الوقت، وبهذا فرض نفسه بدور محوري جامع، ولهذا أيضاً كان محل تشويه وتشكيك كل المتشددين، في مختلف الأطراف.
إن التراكم الذي حدث خلال هذه العملية الصعبة، عملية الحل السياسي، كمدخل لاستعادة السوريين لسيادتهم، يعتبر تقدماً كبيراً، ويشكل بمجموعه نقطة استناد يمكن البناء عليها، ومن غير المسموح التفريط بها، بل ينبغي العمل على سد الثغرات المتبقية، واستكمال العملية السياسية على أساسها، رغم كل التصعيد الميداني على الأرض مؤخراً.
إن هذا التصعيد، وبغض النظر عن تمظهراته، والقوى التي تساهم به، يعود بأساسه إلى محاولات قوى الحرب في الإدارة الأمريكية، لاستعادة دورها المتآكل على المستوى الدولي، وفي الميدان السوري بالدرجة الأساس، وذلك عبر غض النظر عن جبهة النصرة الموصوفة بالإرهاب دولياً، وتوريط بعض السوريين، وإيهامهم من جديد بالدعم، مستغلة مرة أخرى تأخر المسار السياسي، بسبب استمرار أوهام المتشددين حسماً وإسقاطاً؛ ومن هنا فإن الاستفادة القصوى من مؤتمر الحوار في سوتشي الذي من المفروض أن ينعقد خلال الأيام القليلة القادمة، كمسار داعم لمفاوضات جنيف وتنفيذ القرار 2254 يكتسب أهمية كبرى؛ فعدا عن أن هذا الملتقى خطوة داعمة للحل، فأنه في هذه اللحظة يكتسب أهمية استثنائية، ويمكن أن يكون رداً واقعياً وملموساً على محاولات إجهاض تجربة مناطق خفض التصعيد، والدور الذي لعبته هذه التجربة في تهدئة الأوضاع على مساحات واسعة من الأراضي السورية، ويمنع تحويل الميدان السوري إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية والدولية، أو تثبيت نفوذها اللاحق في البلاد. واستناداً إلى ذلك فإن المطلوب التحلي بأعلى درجات الجدية، تجاه مؤتمر الحوار الوطني، من حيث المشاركة به، ودعمه، وبما يوفر الإمكانية لانخراط فئات أوسع من السوريين في العملية السياسية، على أساس حل توافقي تقدم من خلاله كل الأطراف التنازلات المطلوبة، التي باتت ضرورة وطنية لا تحتمل التسويف والمماطلة، في ظل المخاطر المستجدة المحيطة بالبلاد، واستعادة السيادة الوطنية المنتهكة طولاً وعرضاً، واستكمال الحرب على الإرهاب، وإيقاف الكارثة الإنسانية، وصولاً إلى التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل.