بالكردي الفصيح..! كركوك وما بعدها
تتعدد التحليلات المتعلقة بالتطورات التي جرت في مدينة كركوك، والعديد من المناطق الأخرى في شمال العراق، بعد دخول الجيش العراقي، بداعي رفض الاستفتاء، وإعادة «بسط السلطة الاتحادية» ومرة أخرى يعجز العقل السياسي القومي: العربي والكردي في قراءة الحدث بأبعاده الحقيقة، وجذوره العميقة، واستخلاص العبر والدروس، للخروج من المأزق الذي يمر به العراق ببنيته السياسية كلها، والذي دخل مرحلة جديدة كما يبدو، مرحلة تفتح الباب على احتمالات عديدة.. فالسائد حتى الآن، في تلك القراءات ومن الأطراف كلها هو العاطفي والانفعالي، واليومي والآني...
بعيداً عن التحليل الجنائي للحدث، وتحميل هذه الجهة أو تلك مسؤولية تصعيد الموقف، والانزلاق إلى متوالية الاتهامات المتبادلة التي لا تنتهي في مثل هذه الظروف، وبعيداً عن التشفي والحديث عن انتصار مزعوم، لهذا الطرف أو ذاك، ودون الركون إلى أكاذيب وسائل الإعلام المختلفة، ومع التأكيد على رفض الاستفتاء، ورفض تبرير العمل المسلح والتدخل الإقليمي بحجته، فإن المناخ السياسي الذي أوجدته النخب العراقية كلها دون استثناء، هو الذي دفع الأوضاع دفعاً باتجاه التوتير، خصوصاً وأن قوى كردية وعربية ووسائل إعلام غربية، وإقليمية، كانت وما زالت تساهم بشكل واضح في تفجير الوضع، خلال وقبل وقوع الأحداث الأخيرة، استكمالاً لمهمة «لوبي التوريط» والوعود الخلبية التي قدمها هذا اللوبي للكل، مرة لهذا وأخرى لذاك، حتى رفع الجميع سقف خطابه، وتم دفع الأوضاع في العراق إلى مأزق الاستفتاء، ووفر «المبررات» لقيادة الإقليم بإجرائه...
من المآسي المتكررة للكرد وما أكثرها، هي: أنه مع كل تراجع أو انكسار يتعرض له الكرد، ترتفع الشحنة العاطفية الانفعالية إلى أقصى درجاتها، وتفرغ في غير موقعها، فما حصل في كركوك، حسب الخطاب الإعلامي القومي الكردي، سببه الوحيد هو الدور الإيراني، و«خيانة» الاتحاد الوطني الكردستاني ولا أسباب غير ذلك! فالإحساس بالمرارة والقهر والإحباط كله يفرغ من خلال هذا الإعلام ضد إيران، وضد طرف كردي أساس، ليكون ذلك، وكما نعتقد تأسيساً لمأزق جديد لاحق للقضية الكردية، عنوانه: المزيد من التوتير مع الجوار الإقليمي، والمزيد من التوتير في البيت الكردي، وعلى كل حال، ينطوي هذا التفسير البدائي على ثلاثة إشكالات، حتى لو كان تفسيراً صحيحاً:
- أنه يعني كان هناك أمل بأن توافق إيران على الاستفتاء ومن ثم الاستقلال، رغم أن الموقف الإيراني كان معلناً وصريحاً وواضحاً، بغض النظر عن صحة ما يقال عن هذا الدور من عدمه، بشهادة «اللص» إياد علاوي، دون تأكيد رسمي من الإقليم حتى الآن؟!
- أو أنه كان هنالك تعويل، على دور دولي آخر، يقف في وجه الدور الإيراني، وتحديداً الدور الأمريكي.
- إن الظرف الذاتي كشرط ضروري لا غنى عنه لإجراء الاستفتاء، لم يكن مواتياً، فلماذا كان الإصرار عليه أصلاً؟
وأياً كان تفسير الموقف، فإنه يعني عدم إدراك التوازن الدولي الجديد من جهة، ومن جهة أخرى يعني عدم إدراك أحد أهم خصائص القضية القومية الكردية، باعتبارها قضية إقليمية من حيث النشوء والتكوين، وما قلناه سابقاً، و نكرره للمرة الألف في هذا السياق، هو أن التعويل على دور أمريكي هو وهم وقبض للريح، إلا في حدود استخدام الورقة الكردية كعامل ضغط لا أكثر ولا أقل، فالولايات المتحدة ليست مؤهلة أخلاقياً وسياسياً للدفاع عن حقوق الشعوب، ولا هي قادرة على التحكم كما كان الوضع في المرحلة السابقة.
الآن، وبعد التطورات الأخيرة، فإن الشيء الجوهري ، الذي يجب العمل عليه، وتثبيته، هو: إن توسيع الخيار العسكري مرفوض، تحت أية ذريعة كانت، كما كان اللجوء إلى الانفراد بقرار الاستفتاء مرفوضاً، فالخيار العسكري خيار تدميري، لن يستفيد منه أحد من الشعبين، فلا الحرب ولا العقاب الجماعي عبر الحصار، يخفف من غلواء الانعزال القومي الكردي، كما يدعي «وطنيو بريمر، وعروبيو الغفلة»، ولا تورّم الأنا القومية يؤمن الحقوق المشروعة للشعب الكردي، كما يحاول «أكراد السلطة»، لا أكراد الجبال والنضال التحرري المشروع.. وإذا كان هناك أحدٌ من هؤلاء استيقظ من غفوته الآن، من النخب العربية أو الكردية أو الشيعية أو السنية، ويعمل على الحل، فإن المدخل الحقيقي للحفاظ على وحدة العراق، وتأمين الحقوق القومية للشعب الكردي، هو الإسراع بالجلوس إلى طاولة التفاوض، وبحث الوضع العراقي خارج إحداثيات مشروع المحاصصة، ودستور بريمر الملغوم، وصولاً إلى نسف كامل البنية السياسية الحاكمة المنتجة للأزمات، أي: «التحاصص» بحكم طبيعتها، وطبيعة الجهة الصانعة لها، خصوصاً بعد أن تأكد بالملموس أن هذه البنية لم تستطع حل مشكل واحد، لا على الصعيد العراقي العام، ولا على الصعيد الكردي البيني، وأنها كانت مجرد تحاصص لثروات العراق بين النخب، من البصرة إلى كردستان مروراً بالأنبار.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 833