رسائل من أستانا

رسائل من أستانا

تؤكد النتائج الأولية لاجتماع آستانا على تقدم جديد في هذا المسار، سواء من خلال تثبيت وترسيخ ما تم الاتفاق عليه سابقاً، أو من خلال توسع دائرة المشاركين من القوى الإقليمية في حضور هذه اللقاءات كمراقبين، أو من خلال تهيئة الظروف لتحقيق المزيد من التقدم على طريق العملية السياسية.

وبالملموس، فإن هذا المسار الإبداعي، قد أخرج ملايين السوريين، ومناطق واسعة في البلاد من ساحة العمليات العسكرية، وأكد إمكانية تفاهم السوريين فيما بينهم، وعزل المتشددين والمتطرفين والتكفيريين والإرهابين، في حال توفر ضامنين جديين، وإمكانية توصيل المواد الإغاثية إلى المناطق المحاصرة، والتواصل بين مناطق البلاد، ويلاحظ المتابع أنه خلال هذه الجولة خفت تلك الأجواء المشحونة التي اكتنفت الجولات السابقة، وجاء نجاح هذه الجولة من مفاوضات آستانا أيضاً، بمثابة رد عملي على القوى المتشددة في منصة الرياض التي ظلت تردد شروطها المسبقة على العملية التفاوضية، ومنعت بذلك عملية تشكيل الوافد الواحد للمعارضة السورية في اجتماع الرياض.

رغم أهمية كل ما ورد أعلاه، فإن الجانب الأهم، هو: أن هذا التقدم فيما يتعلق بالواقع الميداني - العسكري، وهذا الإجماع الإقليمي والدولي والداخلي، يجب أن يترجم في مفاوضات جنيف المقررة في تشرين أول المقبل إلى اختراق جديد، فالمعادل المنطقي للتوافق بين العسكريين، هو توافق السياسيين، وهو ما يجب أن يتجسد في الجولة المرتقبة، من خلال إزالة كل العراقيل المتبقية، وخصوصاً تشكيل وفد واحد على أساس التوافق، على تنفيذ القرار 2254 والكف نهائياً عن الاجتهادات، والتفسيرات المتناقضة مع روح البيان من مختلف الأطراف، والانطلاق من حقيقة أساسية تترسخ يوماً بعد يوم، وهي: أنه ليس هنالك مجال لإضاعة المزيد من الوقت من أي طرف كان، لا من جهة المعاناة التي يكابدها السوريون، ولا من جهة إصرار المجتمع الدولي على الوصول إلى الحل المنشود، بأسرع وقت ممكن، فالمدة الزمنية المخصصة لتنفيذ اتفاق مناطق خفض التوتر هي ستة أشهر، والمطلوب من القوى الوطنية السياسية السورية الارتقاء إلى مستوى أوجاع وآلام السوريين، والمخاطر التي تهدد البلاد، والإسراع في إنجاز ما هو مطلوب منها في هذا السياق، لا الاختباء خلف الكارثة الإنسانية للتمترس في تلك المواقف التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه.

ما لاشك فيه، أن هذا التقدم هو نتاج طبيعي للمناخ الإقليمي والدولي الجديد، الذي يحيط بالأزمة السورية، من جهة إجماع الكل على الحل السياسي كحل وحيد، بعد الجهد الكبير الدبلوماسي والعسكري لروسيا الاتحادية المدعوم من القوى الصاعدة كلها، والذي يعزز مواقعه في مختلف الملفات الدولية، ويفند بالملموس تلك الحملة الإعلامية السوداء ضده، ويثبت جدارته وقدرته على الدوام بأن يضع قاطرة الحل السياسي على سكتها الصحيحة، بعيداً عن منطق الهيمنة والاستحواذ والتحكم الذي ساد في مرحلة الاستفراد الأمريكي بالقرار الدولي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
828