الإرادة الشعبية و«نَحْت الحل»!
تعتبر الأزمات السياسية الكبرى كالتي نمر بها مقياساً دقيقاً لتقييم عمل القوى والأحزاب والشخصيات ومختلف الفعاليات التي تعمل في الحقل السياسي، هنا تماماً تتمايز الأدوار، وترتسم التخوم، بين: من يمارس العمل السياسي كدور وظيفي يعبر عن مصالح وطنية او طبقية، وبين العمل السياسي باعتباره صراعاً على السلطة بين بنى طبقية متشابهة، بين من يتعاطى السياسة كعلم له قوانينه، وبين الجهالة التي تجعل الجاهل كبندول الساعة لا يستقر في مكان، وبين الثبات والثابت في مواقفه - بين الفاعل والمفعول به - بين المطايا والفرسان....
نحاول هنا، الوقوف على تطور موقف حزب الإرادة الشعبية من الوضع الراهن في البلاد، في سياقه الزمني، سواء كانت المحاولات الاستباقية التي سعى إليها الحزب لتتجنب البلاد، الحالة الكارثية التي وصلت إليها والتي كان يحذر منها مراراً، أو موقف الحزب بعد تفجر الأوضاع في2011، لا لتسجيل نقاط على أحد، فتلكم مهمة الحَكَم الذي لا حَكَم فوقه اي الشعب السوري، ولا من باب الدعاية الحزبية، وتكرار مقولة «أثبتت الحياة صحة مواقفنا» فذلك شأن صاحب الجلالة «التاريخ»، بل محاولة منا لوضع النقاط على الحروف، فيما يتعلق بموقف هذا التيار السياسي الذي يتعرض اليوم الى حملة تشويه في ظرف تقدم الحل السياسي، يساهم بها كل «طيور الظلام» من: اليسار الكاريكاتوري، و الوطنية الشعاراتية، والعمالة المنكهة بالخطاب الثوري، دون أن نغفل من انزلقوا إلى الحضيض السياسي ويغترفوا من هنا وهناك، ليكونوا بذلك أكثر مشاهد السيرك السياسي السوري مأساوية.
الثابت في موقف الإرادة الشعبية منذ 2004 وحتى جنيف7 2016 هو، أنه ليس بإمكان طرف لوحده «نظام - معارضة» الوصول إلى حل لتناقضات الواقع السوري، القديمة منها والمستجدة، الداخلية منها والخارجية، بل ينبغي انخراط الجميع في الحل، وإن بنية الطرفين، و برامجهما لـ«حل» هذه التناقضات لا تسمح بحل هذه التناقضات، وكل فهم أو تفسير على خلاف ذلك لموقف هذا التيار السياسي، هو، إما جهل يعاني منه بعض التعساء يمكن أن يغفر لهم عندما لا تكون مطعمة بالابتذال والشخصنة، أو هو حرب على الحل الوطني التوافقي الذي كان عنصراً حاضراً في خطاب الارادة الشعبية، وموقفاً ثابتاً له منذ الغزو الأمريكي للعراق، وارتداداته، ما نريد قوله هنا، بأن موقف الإرادة من موضوع الحل التوافقي، ليس موقفاً جديداً، حتى يستسهل البعض تشويهه، ويصبح مادة للقراءات الانتقائية، المجتزأة على طريقة «ولا تقربوا الصلاة..» وفبركة الحكايا، والأحاديث المطعمة بالتلفيق من قبل الرواة،.. فهذا الموقف لا يتوقف على المشاركة بالحكومة، ولا يتوقف عند اللقاء مع فورد، ولا هذه وتلك معاً، بل هو أعمق من ذلك، وأرسخ وأوضح مما يظن من يسعى إلى تشويهه، فهذه وكما هو معلن محاولات للوصول إلى حل، والانخراط فيها كان وما زال قائماً على برنامج متكامل ومعلن، فلا الدخول في الحكومة أدى بالإرادة الشعبية إلى إغفال موقفه من عملية التغيير، ولا لقاء فورد أدى به إلى الكف عن اعتبار الولايات المتحدة العدو رقم واحد للشعب السوري، ولا الحوار مع منصة الرياض، يعني الموافقة على برنامجها وسياساتها، وتموضعها.
الزمن 2004 - المكان: فندق البلازا
بعد تبلوره كتيار سياسي في سورية كان من أبرز القضايا التي سعى اليها حزب الإرادة الشعبية، هي: إجراء حوار وطني بين السوريين للوصول الى قواسم مشتركة، وعلى هذا الأساس بادر الحزب إلى دعوة قوى سورية من النظام والمعارضة إلى حوار وطني، انعقد في فندق البلازا بدمشق في حزيران 2004 بحضور طيف واسع من السوريين، و السر في قدرة الارادة على جمع الجميع على طاولة واحدة، أنه استطاع التقاط اللحظة التاريخية المناسبة لإمكانية عقد مثل هذا اللقاء، حيث كان للنظام حساباته على أثر توتر الوضع الاقليمي، بعد احتلال العراق، ولبعض قوى المعارضة هواجسها الوطنية، متجاوزاً بذلك الذهنية السياسية السائدة في البلاد، التي تظن بأنه لا يمكن الحوار بين متخاصمين، وذلك سعياً من الحزب في وضع الاساس لبلورة تيار وطني شعبي عريض قادر على مجابهات الاستحقاقات التي تفرض نفسها على جدول الأعمال، وهي حسب قراءة الارادة الشعبية في حينها لن تكون استحقاقات عادية، وعابرة، بل ذات طابع وجودي، ولن تكون خارجية فقط، أو داخلية فقط، بل داخلية وخارجية في الوقت نفسه، أي تدخلاً مركباً، أو حلاً مركباً على الطريقة الامريكية استناداً إلى رؤية استشرافية لتطور الوضع العالمي، وانعكاساته المحتملة على الوضع الإقليمي و قراءة عميقة لمستوى التناقضات الداخلية في سورية..
الوعي السياسي التقليدي، رأى في محاولة الارادة الشعبية لايجاد توافقات بين الوطنيين السوريين، على أنها «رجل بالبور ورجل بالفلاحة» في حين كان «شيوعيو الارادة» وانطلاقاً من منصتهم المعرفية، ورؤيتهم استنتجوا بأن «البور» و«الفلاحة» كلاهما آيلان إلى التصحر، إذا استمر كل منهما بسياساته أحادية الجانب، ففي حين كان النظام يحاول احتكار الخطاب الوطني، و يرى في التآمر الخارجي، سبباً لتأجيل استحقاقات التغيير بينما كان الموقف يتطلب عكس ذلك، اي الإسراع بالإصلاح، لتأمين متطلبات المواجهة القادمة بلا شك، كان الرهط المعارض يتجاهل كل المخاطر الدولية والاقليمية، ويعطي الاولوية لموضوع الحريات السياسية والمشاركة في السلطة، لا بل أن البعض حاول الاتكاء على الأولى من أجل الوصول إلى الثانية، بالإضافة إلى موقف ضبابي في القضايا الاقتصادية الاجتماعية، في حين كانت قراءة تيار الارادة الشعبية، تستند إلى ترابط المهام الوطنية والاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية، واعتبارها مهام متكاملة وواحدة.
بغض النظر عن مآل تلك المحاولة الاستباقية من طرف الإرادة الشعبية، بسبب الموقف النمطي الأحادي للحركة السياسية السورية بقضها وقضيضها، إلا ان اهميتها تكمن في هذه الرؤية لدى حزب الارادة الشعبية، هي رؤية متجذرة وهي ليست وليدة الظرف الراهن.
دمشق 2011
بعد تفجر الحركة الشعبية، سارع «الإرادة الشعبية» مرة أخرى بالدعوة الى إجراء حوار علني وشفاف، يساهم فيه كل السوريين نظاماً ومعارضة، واقترح بثه عبر وسائل الإعلام الوطنية، وما إن انعقد اللقاء التشاوري عام 2011 حتى أكد الحزب على أهميته، ودعا الجميع إلى المشاركة فيه، وكذلك بالنسبة الى المشاركة في لجنة صياغة الدستور. ومن ثم المشاركة في الحكومة من موقعه المعارض على أساس برنامج عمل متوافق عليه، يمكن أن يخرج البلاد من عنق الزجاجة وتوقيف مسار تصاعد العنف.
مسار جنيف
بعد أن تم تدويل الأزمة في ظل هيمنة شعاري «الحسم والاسقاط» وبروز عنصر جديد في المعادلة السورية، وهو الإرهاب، دعم الحزب خيار جنيف للحل السياسي، ومع تعقد المشهد رأى فيه خياراً وحيداً.. لماذا؟
اعتبار الحل السياسي خيار وحيد، كان وما زال نتاج دراية بتوازن القوى الداخلية والاقليمية والدولية، وفهم معمق للمعادلة السورية، و مستوى تشابكها مع الوضع الدولي والاقليمي، الذي أدى بالحزب الى الاستنتاج، باستحالة انتصار طرف من الأطراف عسكرياً، وإن استدامة الازمة يعني إنهاك كل عناصر البنية الوطنية السورية، وتهديد الدولة في وجودها، مما يعني غياب موضوع الصراع، ويعني في الوقت نفسه تنامي نفوذ الإرهاب، وهو ما حدث فعلاً، مما أدى إلى ارتفاع مستوى التدخل الدولي بشقيه المعادي، والمتحالف، وهو ما أدى إلى انتقال حل الأزمة إلى الخارج، كتحصيل حاصل، ومن هنا فإن اعتبار مسار جنيف هو المسار الوحيد للحل، ليس رغبة، ولا هو خيار سياسي، بل هو خيار الأمر الواقع الذي فرضه اتجاه تطور الأزمة، هو الخيار الضروري الممكن، بدلالة انه بات محل إجماع على الاقل في الموقف المعلن..
وضمن رؤيته الاستشرافية، كان الحزب خلال سنوات الازمة، يقيم التحالفات، ويتواصل مع مختلف القوى، ومن هنا كانت مساهمته في تشكيل اطار الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، ومن ثم قوى التغيير السلمي، ومن ثم جبهة التغيير والتحرير، ومن ثم منصة موسكو، كأطر تحالف وتنسيق لها وظيفة محددة هي المشاركة في حل الازمة، عبر الحوار الداخلي في البداية، أو عبر دفع الجهود الدولية وتنفيذ القرار 2254 بعد تدويل الأزمة.
ليس ذنب الإرادة الشعبية، إن بعض القوى لم تكمل المشوار في كل هذه الهياكل، وليس ذنبه أن البعض يحدد موقفه حسب آخر نشرة انباء استمع إليها، وليس ذنبه أنه أصبح في مكانة متقدمة، لأن رؤيته السياسية كان صحيحة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 824