الرياض ليست المكان الأنسب
أجرت فضائية «الميادين»، مساء الثلاثاء 8/8/2017، حواراً مباشراً في إطار برنامج «حوار الساعة» مع رئيس منصة موسكو للمعارضة السورية، وأمين حزب الإرادة الشعبية، د.قدري جميل، الذي شرح بدوره رؤية المنصة والحزب اللذين يمثلهما إزاء الواقع الدولي والإقليمي، فضلاً عن المستجدات السياسية المتعلقة بالأزمة السورية. فيما يلي، تعرض «قاسيون» أجزاءً من هذا الحوار، علماً أن المقابلة الكاملة متوفرة على موقع «قاسيون» الإلكتروني.
قاسيون
في ردٍ على سؤال حول طبيعة الموقف الأمريكي، وارتباط ذلك بالحديث عن قرب التسوية في سورية، أكد جميل: «كما قلنا منذ فترة طويلة، الأمريكيون هم قوة هابطة عملياً، ولم تعد لديهم القدرة على احتمال الأعباء التي كانوا يتحملونها سابقاً. وهنالك قوى هابطة معهم، أي: المعسكر الغربي ككل على الصعد الاقتصادية والعسكرية والسياسية. هذه العملية ليست طارئة وليست بنت اليوم، بل هي نتاج سنوات عدة من التطور، لمحنا بدايتها في أول فيتو روسي- صيني منذ سنوات، والآن - ونتيجة التراكم الكمي الذي جرى خلال السنوات الماضية- يحاول الأمريكيون الذين لا يستطيعون حمل عبء المهمات التي كانوا يتصدون لها في الحقبة الماضية من هذا القرن أن ينكفئوا بشكلٍ منظم، حتى يحافظوا على ما يمكن الحفاظ عليه، محاولين إعادة النظر بأولوياتهم على مستوى الكوني، فبالنسبة لهم لم تعد منطقة شرق المتوسط هي الأولوية رقم واحد، بل الشرق الأقصى، أي: الصين ووضعها الاقتصادي والتنافس معها، لذلك هم في حالة لا يحسدون عليها».
مشهد التراجع الغربي
وحول تفسير تراجع الولايات المتحدة في ضوء زيادة عدد قواتها في سورية، شدد جميل: «إذا وسعنا المقطع الزمني، ونظرنا إلى ما فعلوه في العراق وما يستطيعون فعله في سورية، نرى أنه أقل بكثير مما استطاعوا فعله في العراق أو ليبيا، وصحيح أن وجودهم قد ازداد في الفترة الماضية في سورية، لكنه ليس ذلك الوجود الذي سيسبب معضلة. إذا استطعنا الوصول إلى حلٍ سياسي يضمن وحدة سورية وسيادتها على أرضها، فلن تكون هنالك مشكلة من الناحية العسكرية، وإذا استطعنا أن نحلها سياسياً فسيكون ذلك رائعاً». وعدا عن واقع التراجع الأمريكي، أشار جميل إلى التراجع الأوروبي، مستشهداً بالتغير الطارئ على الموقف الفرنسي على لسان الرئيس ماكرون، وكذلك بالأزمة التي تمر فيها منطقة الخليج والتي وصفها جميل بـ«الأزمة العميقة التي لن تحل بين يوم وليلة».
الإسراع بالحل ضمان وحدة سورية
وعن دور المعارضة السورية، أكد رئيس منصة موسكو: «كل ما تكلمت عنه آنفاً هو الظروف الموضوعية للحل، ولكن يبقى هنالك ظرف آخر يجب أخذه بعين الاعتبار، وهو ليس أقل أهمية، وهو الظرف الذاتي، أي: جاهزية السوريين أنفسهم للحل. واليوم، تتسع أقسام المعارضة التي أصبحت مقتنعة بضرورة الحل، لا أريد أن أتكلم عن أنفسنا نحن المعارضة الوطنية السلمية منذ 2011، وقد كنا نقول الكلام ذاته الذي نقوله اليوم من حيث المبدأ، وكنا منفردين في هذا الموقف، لكن اليوم انضم إلى هذا الموقف الكثيرون من مختلف المشارب والتيارات. والواقع يفرض نفسه على الجميع في نهاية المطاف».
وتابع جميل: «في السابق، عندما كان احداً من منصة الرياض يريد أن يلتقي مع منصات القاهرة وموسكو، فقد كان يتم هذا الأمر تحت ستار الظلام وخفيةً، لكن الآن باتت مسألة اللقاءات المباشرة والحديث المباشر والتواجد عند بعضنا البعض أمراً عادياً وطبيعياً. هذه خطوة هامة، وأنا أقول: إن الجليد قد انكسر، لكنه لم يذب بعد».
وحول العملية السياسية في جنيف، أشار جميل: «ما يجري في آستانا ومناطق خفض التصعيد يتطلب حلاً سياسياً من أجل تأمين وحدة وسيادة البلاد، لأن مناطق خفض التصعيد إذا استمرت فيها الأوضاع هكذا لفترة مستدامة وطويلة – أي: إذا تجاوزت مهلة الستة أشهر المحددة في نص الاتفاقية- سيكون هنالك خطر حقيقي على وحدة سورية. لذلك، فإن الحديث اليوم عن حلٍ سياسي ليس ترفاً، وليس فقط من أجل إنهاء الكارثة الإنسانية والقضاء على الإرهاب وبدء عملية التغيير الوطني الديمقراطي المطلوب، بل دخل على الخط موضوع الحفاظ على وحدة سورية. مناطق خفض التصعيد هي ضرورية من أجل وقف إطلاق النار وتثبيته ونشره أكثر فأكثر، ولكن استمرارها بشكلها اليوم ولفترة طويلة جداً ممكن أن يخلق مخاطر. لذلك يجب الإسراع بالحل السياسي».
«لقد خلقتم أزمة عندهم»
حول المتغيرات الأخيرة التي تطرأ على تشكيلة التكتلات السياسية المحسوبة على «الائتلاف» و«الهيئة العليا للتفاوض»، أجاب جميل: «تجري عملية مخاض صعبة، وانتقال من موقف إلى موقف. في الحقيقة، ولأول مرة - بطلب من المبعوث الأمريكي السيد راتني- التقيت به في الجولة الأخيرة من جنيف، وقلت له: المشكلة أنكم أنتم براغماتيون، وعندما رأيتم أن الأوضاع تغيرت، تكيفتم مع الأوضاع الجديدة و«كوعتم»، لكن المشكلة أن جميع من يسمع كلامكم ليس لديهم البراغماتية ذاتها والمرونة نفسها، وقد خلقتم أزمة عندهم. بالتالي، سيتطلب وقتاً كي يستطيعوا تغيير مواقفهم، وهذا الوقت ثمين ويكلفنا كثيراً ويكلف الشعب السوري دماء وعذابات، لذلك فإن المطلوب هو الضغط على الجميع. وقد وافقني الرأي بأنه هنالك صعوبة لدى البعض في التكيف مع الواقع الجديد كي يفهموه، لأنه ولكثرة الوعود الواهمة والآمال المباعة في السابق، يصعب على هؤلاء اليوم أن يصدقوا أن هذا كله ليس موجوداً...».
الرياض ليست المكان الأنسب
أما عن الدعوة التي وجهتها منصة الرياض إلى منصتي موسكو والقاهرة للاجتماع في الرياض، فأكد جميل: «أعتقد أن نقطة الخلاف بسيطة وقابلة للحل. لكن أريد أن أفسر بعض الأمور: هنالك أمران يدعوان للالتباس. الأول: تنوي الهيئة العليا للمفاوضات عقد مؤتمر عام وهو خاص بها في تشرين، وهذا ليس لنا علاقة به، ولسنا مدعوون إليه. فقد جرت دعوتنا إلى الرياض في الخامس عشر من الشهر الجاري لاستكمال المحادثات الناجحة التي جرت في لوزان وجنيف قبل الجولة السابعة وفي الجولة السابعة. طلبوا منا المجيء إلى الرياض، قلنا لهم: شكراً، ونرحب بهذه البادرة الإيجابية، ولكننا لا نرى أن الرياض هي المكان الأنسب للاجتماع، فالمكان الأنسب في الظروف الحالية حسب رأينا هو جنيف، لأنها هي الساحة السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، بالرغم من أن هذه المحادثات بين المنصات ممكن أن تجري دون الإشراف المباشر للأمم المتحدة، ولكن جنيف تظل المكان الأنسب».
لماذا التفاؤل؟
حول أسباب التفاؤل فيما يخص موضوع وحدة سورية، في ظل الحديث عن إمكانية إجراء القوى الكردية لانتخابات «مجلس محلي» و«برلمان إقليمي»، أجاب جميل: «أعتقد أنكم تتفقون معي أن تقسيم سورية هو هدف «إسرائيلي» في الدرجة الأولى، وإذا انتبهنا فإن «الإسرائيليين» قد «تنرفزوا» كثيراً في الفترة الأخيرة، وهذا يؤكد أن موضوع التقسيم أصبح بعيداً. ثانياً: منذ الدخول الروسي العسكري في 30 أيار 2015، كان هنالك خطر حقيقي محيط بالدولة السورية وقد جرى إنقاذها عملياً، وابتعد شيئاً فشيئاً خطر تقسيم الدولة السورية، لأن دمشق ما زالت موجودة والدولة السورية موجودة والجيش السوري موجود وحلفاءهُ موجودون، والقوى جميعها الإقليمية منها والعالمية تقول بوحدة سورية. أعتقد أن موضوع تقسيم سورية قد أصبح وراءنا، بالتالي، وفيما يتعلق بالأكراد، هي انتخابات محلية في النهاية، يجب عدم إعطائها أكثر من حجمها والمبالغة بها، ولحل موضوع الأكراد يجب المجيء بهم إلى المفاوضات في جنيف كي يشاركوا في صياغة الحل، ويجب أن يشاركوا لاحقاً في صياغة الدستور. هذه الطريقة السياسية الوحيدة السليمة التي تضمن وحدة سورية، وتكوِّن رغبة للجميع بالبقاء ضمن البوتقة السورية. لذلك، لا نفهم موقف الأمريكان في إبعاد الأكراد عن جنيف، وكأنه كان يجري «لكزهم» من أجل استفزازهم وإبعادهم عن سورية».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 823