تكيّفوا... تكيّفوا!

تكيّفوا... تكيّفوا!

تتسع يوماً بعد يوم دائرة الذين يعترفون بأن العد التنازلي للأزمة السورية قد بدأ فعلاً، وأن العملية السياسية السورية في إطار مفاوضات جنيف على مشارف نقلة نوعية في مسار التفاوض، بما فيها طيف واسع من الذين كانوا يشككون بإمكانية الوصول إلى هذه المرحلة، وذلك استناداً إلى جملة وقائع ميدانية وسياسية ملموسة، ومواقف رسمية لقوى دولية وإقليمية، فضلاً عن التجاذبات الجارية في صفوف قوى المعارضة. والتي يمكن إجمالها بالتالي:

أولاً: تجربة مناطق خفض التوتر، والنتائج العملية التي تمخضت عنها فيما يتعلق بتهدئة الأوضاع في مناطق واسعة من البلاد، وإيقاف نزيف الدم، والارتياح الشعبي الذي حدث على أثر ذلك في تلك المناطق، بالإضافة إلى تأكيد إمكانية التوافق في حال توفر الجدية المطلوبة، والجهات الضامنة الموثوقة.
ثانياً: استمرار تراجع وزن ودور قوى الإرهاب، وتقلص مساحات الأرض التي كانت تسيطر عليها، بعد تقدم الجيش على أكثر من جبهة، وفي أكثر من موقع، وخصوصاً في مناطق الحدود السورية مع كل من العراق والأردن.
ثالثاً: الحراك الجاري في صفوف المعارضة باتجاه تشكيل وفد واحد، الأمر الذي تم تلمسه في اللقاءات التقنية في كل من لوزان وجولة جنيف الأخيرة، والتي كانت دليلاً ملموساً على إمكانية الوصول إلى مشتركات فيما بينها، وما يعني ذلك من إمكانية الوصول إلى تشكيل وفد واحد، وقطع الطريق على القوى المتشددة في معارضة الرياض، التي لم تستطع حتى الآن التكيف مع التطورات الدولية والإقليمية الجديدة، والمناخ الإيجابي الذي يتبلور يوماً بعد يوم، وما زالت تطلق التصريحات التي تنتمي إلى زمنٍ آخر، أو تحاول الالتفاف على تقدم الأمر الواقع الذي حدث، من خلال أوهام جديدة - قديمة باحتواء قوى المعارضة الأخرى، أو من خلال تغيير ساحة التفاوض، واختلاق تناقضات جديدة.
لقد جاءت جملة التطورات في كل المسارات المتعلقة بالأزمة، رداً قوياً على من كان حتى الأمس القريب يراهن على إمكانية الاستناد إلى دور أمريكي «جديد»، تأكد بأنه مجرد أوهام في ظل التخبط الأمريكي في جهات الأرض الأربع، وعجزه البنيوي لا عن ما يسمى باستعادة الدور فقط، بل بالحفاظ على ما بين يديه من أوراق.
لم يعد أمام القوى المتشددة من خيار، سوى التكيف مع المناخ الجديد بأبعاده المحلية والإقليمية والدولية الذي يتبلور ويفرض منطقه على القوى كلها، كما حدث مع القوى الإقليمية والدولية التي كانت تعرقل الحل، وإلا فإن إعادة هيكلة وتأهيل قوى المعارضة المتشددة يصبح أمراً لا مفر منه، ومطروحاً على جدول الأعمال بإلحاح، باتجاه فرز جديد بين قوى المعارضة يسرع عملية تشكيل وفد واحد للمعارضة وإجراء مفاوضات مباشرة مع الوفد الحكومي وفق القرار 2254 في جولة جنيف المرتقبة، لحل المهام الثلاث المتكاملة، والمتجسدة بمحاربة الإرهاب، وإيقاف الكارثة الإنسانية، والحل السياسي الذي يفضي إلى تغيير وطني ديمقراطي جذري وعميق وشامل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
823