العربشة على القرار 2254

العربشة على القرار 2254

ربما يكون السؤال عن حصرية القرار 2254 كإطار لحل الأزمة سؤالاً مشروعاً من الناحية الشكلية، فهو قرار دولي، وتجربة شعوب العالم، ومنها الشعب السوري تجربة سيئة مع القرارات الدولية، لأنها كانت غالباً عبارة عن توافقات دولية تصدر في الغرف المغلقة دون رأي أصحاب الشأن، أو أنها تصدر ولا تنفذ.. ولكن، وبالعمق، هل هذا الموقف من القرار ضمن شروطه الخاصة ومحتواه، موقف مشروع؟ وإذا كان الجواب بـ لا، فأين تكمن خصوصيته؟

أولاً: الخارج والداخل ليس مجرد مفهوم جغرافي، وإذا كان الشعب السوري يتحسس من الخارج ويرفضه، لأنه ارتبط في ذاكرته بالمشروع الأمريكي الغربي المعادي، فإن الخارج اليوم هو «خارجان» خارج يريد حل الأزمة السورية، وخارج يسعى إلى الاستثمار فيها، خارج كان على الدوام يسعى عبر جهد دبلوماسي وسياسي وعسكري إلى إيجاد إطار لحل الأزمة، وخارج سعى إلى استدامة الأزمة، وتعميمها على دول المنطقة، لابل إن القرار لم يصبح قراراً دولياً، إلا بعد صراع مرير، سياسي ودبلوماسي وعسكري، بين «الخارجَين».
ثانياً: الأزمة السورية أزمة مركبة، هي نتاج عوامل داخلية وخارجية: متخادمة ومتشابكة، قديمة وجديدة، وبالتالي لا يمكن الشروع بحل حقيقي دون حل الأزمة في بعدها الداخلي، ودون لجم التدخل الخارجي السافر في الوقت نفسه، وإذا كان البعد الداخلي شأن السوريين، فإن البعد الخارجي هو موضوعياً شأن سوري ودولي في وقت واحد، وواضح من بنود القرار العتيد أنه مصاغ بما يؤمن حل هاتين المعضلتين معاً، و وأن الثاني يأتي في خدمة الأول، أي: أن القرار يحول دور العامل الخارجي إلى دور مساعد للسوريين في حل أزمتهم، بعد أن كان أحد أسبابها، بمعنى آخر، إن القرار كبنية متكاملة، يتوافق مع أبعاد ومسببات الأزمة في مراحل تطورها المختلفة، ويضع الأساس لمعالجة كل جوانبها، دون إغفال إحداها، وعليه: فإن الحديث عن حوار داخلي، دون مشاركة الخارج، هو موضوعياً إغفال أحد أسباب وصول الأزمة إلى هذا المستوى، والمفارقة أن أصحاب هذا الرأي تحديداً هم من يعطون الأولوية للعامل الخارجي في تحليل للأزمة.
ثالثاً: العلاقة بين قوى الخارج اليوم هي علاقة صراع، وتوافق المتصارعين لا يعني «تبويس شوارب» فالقرار لم يصبح قراراً دولياً، إلا بعد صراع مرير، سياسي ودبلوماسي وعسكري، وبالتالي هو محصلة كباش تراجعت فيه قوى عن سياساتها السابقة، لصالح سياسات قوى أخرى تتقدم، ولأن الطرف المتقدم في سياق الصراع، يعمل على الحل السياسي للأزمة، ويجاهر بضرورة أن يقرر السوريون مصيرهم، فإن القرار المعتمد والناظم لهذه العملية هو في العمق قرار سوري، قبل أن يكون قراراً دولياً، لأنه يتقاطع مع مصلحة أغلبية السوريين، ومصلحة الدولة السورية كوحدة جغرافية سياسية، وبأية قراءة موضوعية للقرار نجد أنه يوفر محاربة الإرهاب، ويوفر الانتقال السياسي، ويحافظ على وحدة الدولة السورية.
رابعاً : الظرف الدولي الذي صدر فيه القرار يختلف عن الظرف الدولي السابق، الذي كان الكلمة الفصل فيه للأمريكي، بسياساته المعروفة، ونعتقد بأن القوى الصاعدة التي انتزعت الملف السوريمن يد الأمريكان انتزاعاً «كما اعترف الأمريكان أنفسهم» وإن كان اعترافاً موارباً، هي قوى جدية، ومن مصلحتها إيصال العملية إلى خواتيمها المنطقية، أي: إعادة القرار إلى السوريين، ومساعدتهم لتنفيذ بنود القرار ككل متكامل، ودون انتقائية تطيح بروح البيان، وتنسف عملية التفاوض.
لقد جاهر الطرف الروسي، بأن دوره في سورية يأتي دفاعاً عن المصالح القومية الروسية قبل كل شيء، ومن محاسن الصدف بأن هذه المصالح تتقاطع في ظروف اليوم مع المصالح السورية، والآن وبعد أن أصبح الطرف الروسي هو الراعي الفعلي في دفع العملية السياسية على أساس هذا القرار إلى الأمام، يكون من السذاجة الحديث عن القرار وكأنه انتقاص من السيادة الوطنية، أو أنه قرار دولي يستوجب الحيطة والحذر منه.
بقي أن نشير، بأن الكثيرين ممن يعلنون الموافقة على الحل السياسي وهذا القرار اليوم، لم يكونوا يوافقون عليه حتى الأمس القريب، و الآن و بعد أن أصبح قراراً معتمداً وعلى وشك التنفيذ، بدأ هؤلاء التعاطي معه على أنه وسيلة للتعربش على التوافق الدولي، لاحتلال مقعد على طاولة التفاوض، وليس غريباً أن نجد بعض المتطرفين خلال الفترة القريبة القادمة، يقدمون أنفسهم على أنهم رواد الحل السياسي، وخصوصاً من انتقل كالمكوك من مكان إلى آخر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
823