فن وأدب جديدان لزمن جديد، ولا «أبدية» الإمبريالية
محمد المعوش محمد المعوش

فن وأدب جديدان لزمن جديد، ولا «أبدية» الإمبريالية

عملت الدعاية الإمبريالية بعد «المواجهة الأولى الكبرى» مع قوى التحرر والتغيير في العالم (خلال القرن الماضي)، والتراجع الثوري اللاحق، على تعميم فكرة «نهاية التاريخ» والنصر النهائي للرأسمالية، ولكن في الجهة المقابلة تبلور موقفان أساسيان لدى قوى التغيير، في المرحلة الماضية، الأول: سلّم بالهزيمة المطلقة والتحق بالركب «الإمبريالي» أو انكفأ، والموقف الثاني: ثبت على موقفه في المواجهة. وما يهمنا هنا هو الموقف الثاني، المواجه، ومحاولة تلمِّس مزاج قواه السياسية الحالية، التي تمثله في تفاعلها مع الجديد في العالم، وممارستها.

 لا زال بعض أصحاب الموقف الثاني يضخمون من قوة الإمبريالية عن غير قصد غالباً، ما يحد ضمنياً من فكرة التحول العالمي، أي التراجع الإمبريالي وتقدم قوى صاعدة قديمة- جديدة المسرح السياسي.  

ولا يعني هذا بالضرورة أنهم (أصحاب هذا الموقف) يعتبرون القوى الصاعدة (كروسيا والصين) أنها «إمبريالية» مثلاً، ولكن الفكرة الأسطع هي العداء للامبريالية الاميركية ومحاربتها، وهذا ضروري وأكيد، ولكن ضمنياً أيضاً فيه تثبيت تاريخي للإمبريالية كقوة عالمية مسيطرة، فكأننا بذلك نقول «لم ينته التاريخ، نعم، ولكن زمن أزمته طويل جداً ولا يتسارع». وهذا يترافق مع تثبيت مجمل تناقضات المجتمع، وتغييب جديدها، ومنها أشكال المعاناة والطموح والأفكار الاجتماعية المتصارعة اليوم. فغياب حامل صريح للقانون التاريخي يبقيه مغيباً غائباً عن وعي الفاعلين. 

ولفكرة التجديد هذه معناها المعنوي السياسي الواسع، بهدف عزل فكرة اليأس ومحاربتها من جهة، بالرغم من المعاناة والخسائر والتضحيات الجسام كلها، التي تعانيها الشعوب، وربطها بحل لهذه المعاناة المادية والمعنوية، ومن جهة أخرى تقييم الظواهر الاجتماعية الفاعلة، في الصراع، والتي لا تنتمي بالضرورة إلى الخطاب السياسي المباشر.

الفن والأدب:

رغم تعقد المسألة وليس بغاية تبسيطها، الفن والأدب من هذه الظواهر الفاعلة، حيث إن أغلب ما يتم استعادته اليوم (ملصقات، رسم، أغنية، شعر...)،  ينتمي إلى الصراع مع الإمبريالية في القرن الماضي، الذي يعكس المزاج في تلك المرحلة، سياسياً واجتماعياً. وكنتيجة لوراثة المزاج السابق هذا، تظهر بشكل أساس «الإمبريالية» كفكرة مركزية في حركة الصراع العالمي، وهذا صحيح، ولكنها تبرز كلاعب «كبير» وحيد، خصوصاً أنها العنصر الذي بقي من المعادلة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كلاعب كبير نقيض. إضافةً إلى ظواهر أخرى من تلك المرحلة، فينتج الميراث الفني تناقضاً في تأثيره على المستوى السياسي، من جهة تأكيد المواجهة مع الإمبريالية، وكل القضايا النضالية المرتبطة وطنيا وعالمياً، ومن جهة أخرى تثبيت «واحديتها» كإمبريالية على المسرح السياسي. 

إضافةً إلى أن المزاج الفني-الأدبي-الشعري لدى القوى الشعبية أصبح غالباً وأسياسياً في حياتها اليومية، موسيقى وشعر ورسم وتصوير وقصة ورواية...مضافاً لذلك الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي. 

فن وأدب جديدان لزمن جديد بين الشكل والمضمون

هذا يتطلب، وليس بشكل ميكانيكي تبسيطي طبعاً، رفع فكرة الإنتاج الإبداعي الفني والأدبي الجديدين القادرين على عكس المرحلة الراهنة، في تناقضاتها الاجتماعية الراهنة، والأفكار المرافقة لها. عبر دفع القوى الإبداعية في مجتمعنا وتأسيس المنصة الفنية-الأدبية الجديدة لتغطية هذا المستوى الضروري من عملية التغيير، في جانبها المعنوي الروحي.

الفن والأدب كأدوات تعبيرية إبداعية، ودافعة في الوقت ذاته، لها موقع اساس في حركة المجتمع وصورته عن نفسه وعن العالم، ومن هنا ضرورة تجديدها مع كل جديد، بعيداً عن فكرة التبسيط والميكانيكية، فالشّح الأدبي والفني في المرحلة الراهنة، يتم تعبئته راهناً بمواد قد تعمل بشكل موضوعي على تثبيت مفاهيم وأفكار تشكل كابحاً لتطور جوانب جديدة من الفكر السياسي والاجتماعي المطلوبين اليوم. فالمضمون الاجتماعي السياسي الجديد قد يكبحه الشكل القديم للفن والأدب، أو يؤخر ظهوره.

وليس القديم كله بالياً، لكنه يتجدد عبر مرآة الجديد، نحو التغيير، محاولةً لإنقاذ الروح من مأساة تشظّيها في جفاف عالم بلا روح.        

معلومات إضافية

العدد رقم:
807