الحل السياسي بين نهجين!
بعد أن بات الحل السياسي خياراً دولياً، بموجب قرارات مجلس الأمن، وبعد أن تم التوافق عليه إقليمياً، إثر بيان موسكو، وبعد أن أقر به كلٌ من النظام، والفصائل المسلحة، وبعد استمرار وتثبيت اتفاقية وقف إطلاق النار في اجتماع آستانا الأخير، ومن ثم اجتماع طيفٍ واسعٍ من قوى المعارضة السياسية مع وزير الخارجية الروسي،
يمكن القول، أن كل أطر وآليات الحل السياسي الممكنة للأزمة السورية اكتملت، وتم فتح الطريق على استكمال ما تبقى منها لاحقاً، أي أن الحل السياسي، ومنذ بيان موسكو الثلاثي، بات خياراً واقعياً ملموساً، يتعزز يوماً بعد يوم، بإجراءات جديدة، وانكسرت كل محاولات الممانعة، واللف والدوران، الدولية، والإقليمية، والمحلية، العسكرية، والدبلوماسية، على أسوار الإصرار والحكمة الروسيتين، لدرجة لم يبق طرف، ولم يقر بالحل السياسي كحل وحيد، باستثناء جماعات الإرهاب السافر، «داعش والنصرة» وإن كان هذا الإقرار، إقرار الأمر الواقع، المحكوم بالتوازن الدولي الجديد، بالنسبة لبعض القوى. وانطلاقاً من هنا، لا يمكن تفسير أي موقف طارئ جديد، بما فيها المنطقة «الآمنة» الأمريكية، إلا كمحاولة لتحسين المواقع على طاولة الحل السوري، وطريقته، بما لها من دلالات وأبعاد، وتأثير على مسار تطور الأوضاع في المنطقة والعالم.
كان وما زال من السذاجة، الظن بأن قوى الحرب من النخبة الأمريكية، ستكف عن محاولاتها التأثير في مسار الأحداث، بعد خروجها الاضطراري، أو أنها فقدت إمكانية التأثير كلياً على المشهد السوري، لكنها بالتأكيد ليست في الموقع الذي يؤهلها لفرض مناطق آمنة، الأمر الذي يعني إن المحاولة الأمريكية الأخيرة، هي في أفضل الأحوال، محاولة يائسة لنسف الحل السياسي الحقيقي، لصالح حل ممسوخ ومشوه قائم على التقاسم والتحاصص.
واشنطن التي حشدت الجيوش يوماً، بهدف التدخل العسكري المباشر، وتراجعت، والتي حاولت تدريب الجماعات المسلحة «المعتدلة»، وتمويلها ولم تفلح، واشنطن التي حاولت وقف الزخم الروسي ولم تستطع، والتي اتفقت مع روسيا على وقف الأعمال العدائية وتنصلت منه، والتي كانت في كل مرة تورّط حلفائها وتدفعهم إلى مآزق جديدة، لن تمر محاولتها الجديدة بالالتفاف على إجراءات العملية السياسية الحقيقية والجادة، التي بدأت فعلياً مع التوافق الروسي – التركي – الإيراني وبيان موسكو، وتعزز وترسخ في اجتماع آستانا الأخير، الذي ثبت ما اتفق عليه، ووضع آلية مراقبة ثلاثية على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وفتح باب جنيف على مصراعيه.
إن مسار «آستانا – موسكو– جنيف» الذي جاء تتويجاً للجهد الدبلوماسي والعسكري الروسي، المستمر منذ سنوات، والمستند على القرارات الدولية، والذي أكد بالملموس إمكانية التقدم على طريق الحل السياسي، هو مسار متكامل، يمتلك كل العناصر الجاذبة والنابذة، فهو من جهة مفتوح الأبواب لكل من يريد المساهمة الجدية بالحل، ومن جهة نابذ لكل من يحاول عرقلة خيار الحل السياسي، باعتباره تعبيراً وانعكاساً للتوازنات الدولية والإقليمية والداخلية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 795