بين فاشيتين... الحل السياسي ترياقاً

بين فاشيتين... الحل السياسي ترياقاً

مداخلة الرفيق مهند دليقان في اللقاء اليساري العربي السابع في بيروت  (9-10- كانون الثاني/2016)

يوجد خلط كبير بالمعنى المفاهيمي بين الإرهاب والفاشية، بحيث تستبدل واحدة بالأخرى، أو تعتبران شيئاً واحداً، أو يتم استيراد تعريفاتهما على أساس النظرات القومية أو النظرات الليبرالية، أي بتبسيط فكرة الفاشية واعتبارها مسألة (استبداد ذو طابع ديني، أو ثقافي وإلخ..، أو اعتبارها استبداداً ذا طابع عسكري أو ديكتاتوري وما إلى هنالك.

في حين أن تحديد طبيعة الفاشية بالمعنى العميق، يتطلب النظر إلى أساسها الاقتصادي، وفي دراسة الفاشية الجديدة، ربما يكون مفيداً استحضار فاشية القرن العشرين بمقارنة سريعة بين الاثنتين، حيث ذكر رفيقنا تعريف ديمتروف ومن ثم تطويره إلى (الفئات الأكثر رجعية لرأس المال المالي العالمي الإجرامي)، وهو الذي يشغل أكثر من 30% من دورة رأس المال المالي العالمي، وفق إحصاءات غير جديدة، وللدلالة على أهميته فإن رأس المال الإجرامي هذا، العامل في القطاعات السوداء، جرى تبييض جزء كبير منه، بل وساهم مساهمة كبرى في عمليات إنقاذ الشركات المالية الكبرى في الولايات المتحدة في أزمة عام 2008.

إذا كان ما سبق هو تحديد أولي للأساس الاقتصادي للفاشية، فهنالك أساس اجتماعي للفاشية، فالفاشية قديماً استندت إلى فئات المهمشين اجتماعياً، وأبسط تعريف لتحديد هذه الفئة، هي ربطها بصفة العطالة المستدامة، طويلة الأمد. الفرق بين مهمشي الفاشية الأولى ومهمشي الفاشية حالياً كبير، ففي القرن العشرين كانت الأزمة الاقتصادية للرأسمالية لا تزال دورية، ونتج المهمشون بدرجة كبيرة عن العطالة المؤقتة في مرحلة الكساد العظيم، إلا أن هؤلاء عادوا إلى المجتمع بعد دخول الحرب، والعودة إلى الانتعاش.

في حين أن المرحلة التي تلت الحرب العالمية الثانية، امتازت بأنّ التهميش انتقل خلالها من تهميش فئات وطبقات لمراحل مؤقتة، إلى تهميش فئات وطبقات بل ودول بأكملها وبشكل دائم، وهذا تعبير عن تحول الأزمة الرأسمالية من أزمة دورية إلى أزمة مستديمة، وكان انعكاسها في الفكر الاقتصادي بظهور اصطلاح الركود التضخمي الذي يعتبر سمة من سمات المرحلة النيوليبرالية.

إما الاشتراكية أو الفناء

بهذا المعنى إذا كان المهمشون المؤقتون يمهدون لفاشية مؤقتة، فإن مهمشين دائمين يمهدون لحرب دائمة. وإذا كان ماركس قد تكلم عن الحرب بوصفها الرئة الحديدة التي تتنفس منها الرأسمالية، فإن الرأسمالية بتعفنها اليوم تحولت كلها إلى رئة، واستمرارها أصبح محكوماً باستمرار الحروب، واستمرار الفاشية. بما يعني أنّه لا يمكن أن توجد رأسمالية بعد الآن دون حروب. 

بالتالي عندما انتهى إنجلز إلى النتيجة التي قال فيها، أنه مع تقدم الرأسمالية تقف البشرية على مفترق طرق، إما البربرية وإما الاشتراكية، فإننا وصلنا اليوم إلى مكان تضع فيه الرأسمالية بتقدمها البشرية أمام مفترق طرق جديد، إما الفناء وإما الاشتراكية. واحتمال فناء البشرية باستمرار الرأسمالية أصبح احتمالاً جدياً. 

بناء عليه، عندما نحاكم فكرة الإرهاب، يجب أولاً إسقاط التوصيفات الثانوية، ليس لعدم صحتها ولكن لأنها مجزوءة، فربط الفاشية اليوم بالأسلمة، أو بأي فكر محدد آخر، هي مسألة تفقد القضية منظارها الطبقي وآليات علاجها والتصدي لها، وتنتهي إلى حلول جزئية كأن نقول: أن المعركة ثقافية وعسكرية، في حين أن المسألة قبل كل شيء هي مسألة اقتصادية- اجتماعية، وهي بالتالي سياسية، مما ينقلنا إلى الفكرة الأخرى، وهي الحلول السياسية.

الحلول السياسية وتكبيل العسكرة

ضمن طرح الأولويات اليوم، لا يزال البعض يضعنا أمام ثنائية: الحرب على الإرهاب أولاً، أم الذهاب نحو الحريات السياسية والتغييرات الديمقراطية. وعملياً القضيتان متشابكتان ومترابطتان إلى حد بعيد، وهما أولوية واحدة متزامنة.

بما معناه أن الحلول السياسية بالمعنى العام، وليس فقط الحل السياسي في سورية، أصبحت ضرورة مقابل الحلول العسكرية، لأننا نتحدث عن فاشية جديدة تستهدف كل البلدان. وأصبح فرض الحلول السياسية مقابل الحلول العسكرية، شكلاً من أشكال الصراع بين النظام العالمي القديم وبين النظام العالمي الجديد الذي في طور الولادة، وهو لا يرتبط فقط بقوى صاعدة مثل روسيا والصين، والتي هي قوى صاعدة رأسمالية، وليس لدى أحد وهم يقول بأنها قوى اشتراكية، ولكن هذه القوى في إطار دفاعها عن نفسها، في وجه درجة التوحش والتعفن التي وصلت إليها الإمبريالية الأمريكية والغربية اليوم، مضطرة إلى الجنوح نحو السلم، وإلى محاولة تكبيل الاتجاه العسكري المتنامي لدى الرأسمالية الأمريكية والأوروبية. 

قد نعذر البعض الذي يقيّم الحلول السياسية وفق تجربة النصف الثاني من القرن العشرين، والذي ينظر بتوجس وخوف دائم إلى مسألة الحلول السياسية، واتفاق الطائف في لبنان واحد من أبرز الامثلة على هذا، بالإضافة إلى اتفاق أوسلو وغيره، ومجمل هذه الحلول كانت رجعية وجرت في مرحلة تراجع ثوري وجاءت بمجملها ضد مصلحة الشعوب، ولكن ينبغي أن ننظر بطريقة ديالكتيكية نحو ذلك، فنحن اليوم أمام مرحلة مختلفة أساسها وضع دولي جديد، يؤسس لحلول سياسية أقل ما يقال عنها أنها من جهة مواجهة للفاشية واتجاه العسكرة العام المتنامي لدى الامبريالية، ومن جهة أخرى هي عودة عن التدويل في أزمات الدول المحلية، وثالثاً هي تتيح إعادة صياغة حق الشعوب في تقرير مصيرها.

الثورة المضادة:  (اليسار) ليس (صك براءة)!

في مسألة الثورة المضادة، من نافل القول الحديث عن قوى إسلام سياسي أو فاشية أو غيرها بوصفها قوى ثورة مضادة، لكن ينبغي ألا يغيب عن الذهن أنه ضمن قوى الثورة المضادة هناك قوى يسارية، فالانتماء إلى اليسار ليس (صك براءة) لأحد، الانتماء إلى اليسار بمعنى الفعل، هو فقط صك البراءة. بالتالي فإنّ مجرد الإعلان الاسمي عن الاتجاه اليساري لا ينبغي أن يلغي احتمالية الانتماء إلى قوى الثورة المضادة، وينبغي أن تكون هذه قضية أساسية، تحديداً عندما يطرح تطوير شكل التنسيق بين قوى اليسار حالياً، فعلى سبيل المثال تجربة اليسار اليوناني وحكومة سيريزا، أثبتت التجربة أن الكثير من قوى اليسار يجري تقديمها كبدائل وهمية تسّوق للجماهير، والمطلوب منها أن تمتص الحركة الشعبية، وتسيء لليسار نفسه.

الفكرة الأخيرة متعلقة بمسألة التنسيق المقترح، لا بد من التذكير ببديهية أن ضعيف + ضعيف لا يساوي قوي!. من يأمل من قوى اليسار باستخدام أي نوع من أنواع التشكيلات ليدعمه إذا كان ضعيفاً فهذا وهم، والتحالف الجدي ينبغي أن يكون بين أقوياء لا بين الضعفاء، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لا بد من البحث عن المشتركات العامة في فهم وتقييم أوضاع العالم والمنطقة وتوحيدها كنقطة انطلاق».

معلومات إضافية

العدد رقم:
741