من يتآمر على من؟!

يتبادر إلى الذهن بإلحاح شديد ومنذ بداية الأزمة السورية سؤال يطرح نفسه بهذه البساطة: من يتآمر على من؟ تتوارد إلى أذهاننا جملة من الإجابات، تعبر عن رأي كافة الفئات التي انقسمت حسب مفردات الأزمة السورية وتفاعلاتها، التقسيم الذي أنتجته وسائل الإعلام الرسمية والخارجية على حد سواء، والمقصود: (نظام، معارضة خارجية، معارضة داخلية، ثوار، مسلحون، موالاة.. وإلى ما هنالك من تقسيمات لا تنتهي)..

يقدم لنا الواقع نظاماً يرفع شعار الدفاع عن وحدة الأراضي السورية، ولكنه يستمر بحله الأمني بتواتر زمني غير متطابق مع الحل السياسي، ولا ينسجم من حيث الواقع مع المنطق الوطني الحقيقي المطلوب لحل الأزمة، تاركاً الشعب السوري يكابد مشكلات باتت مستعصية، فها هو الشتاء يكاد ينتهي ولا يزال تأمين مادة المازوت يشغل قسماً كبيراً من وقت السوريين، ولا تزال انقطاعات التيار الكهربائي بحدود 12 ساعة على الرغم من تصريحات وزير الكهرباء بعكس ذلك...

بداية كانت التصريحات تقول إنه لا يوجد نقص في هذه المادة، وأن أكثر المحافظات استهلاكاً- السويداء والحسكة- قد تم تزويدهما بفائض عن حاجتها بنسبة %40 لنفس الفترة من السنة، لكن الواقع كان شيئاً آخر، كما هو معروف لسكان المحافظتين، فالكل أصبح يشعر بوجود طرف خفي يتلاعب بتوزيعها واحتكارها لمصلحة السوق السوداء، فبينما تغلق المحطات أبوابها بوجه المواطنين، تنتشر السيارات التي تبيع المازوت بسعر يصل حتى 40 ل.س في جميع الشوارع السورية، أما في المناطق الزراعية فمنذ بداية زراعة المحصول الشتوي مروراً بفترات سقايته وحتى الآن، على أبواب زراعة المحصول الصيفي، يضطر الفلاح للشراء خوفا على مصدر رزقه، لتطال المؤامرة محاصيل العام المقبل بعد أن طالت البشر..

وتستمر الأسئلة.. لمصلحة من، وعلى حساب من تظهر أزمة الرغيف من جديد؟ الأزمة التي أعادتنا إلى أيام الحصار الاقتصادي في الثمانينيات، وارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية من سكر وزيت ورز... وغياب المتة من الأسواق حيث وصل سعرها إلى 400 ل.س للكيلو غرام الواحد في السوق السوداء؟ وتتوالد الأسئلة تباعاً.. لماذا التغاضي عن جملة المخالفات المرورية والإدارية؟ وكيف نستفيق صباحاً لنرى من نوافذنا الصغيرة مدناً عشوائية تمحو اللون الأخضر لترسم حزاماً إسمنتياً؟ هل نستطيع القول إن كل هذه الفوضى هي جزء من الفساد الكبير الذي يهيمن على كبرى مؤسساتنا؟ أم هي تطبيق لمقولة أن الضغط على الشعب من جانب القوى الفاسدة في النظام سيعيد الناس إلى بيوتها، على أساس أن الأزمة ستبقى ما دامت المظاهرات في الشارع...

بالعودة لما سبق، وعلى ضوء الشمعة نرى بوضوح معارضة تدّعي أنها وطنية ولكنها مرتبطة بالخارج تحمل السلاح بحجة الدفاع عن الثورة، وتطالب بقوة السلاح أو بدونه مقاطعة مؤسسات الدولة جميعها دون استثناء، وعبر كل الوسائل- الجوامع أو الفيس بوك أو الإعلام الخارجي- لضرب اقتصادنا وكأن الإضرار به لن يلحق بالشعب!!

أصبحت عدة محطات لتوليد الكهرباء خارج الخدمة، ومعها أصبح نصف يوم المواطن السوري خارج الخدمة، ناهيك عن نصف الطلبة في نصف المحافظات، وأغلب موظفي الدوائر الحكومية، كل هذا وتستمر الإملاءات الخارجية بالتزايد، فمن غرب أمريكي -أوربي وحليف خليجي يصعدان في الداخل السوري لإنهاك سورية قبل «إقصاء» رئيسها، ومن خلال دعم التسليح وتدميرها كدولة وتقسيم شعبها، تكتمل سيناريوهات المؤامرة. فعند اللحظة التي تساوى فيها عنف المعارضة مع عنف النظام، وتوضح اللعب على الورقة الطائفية في البلاد، بدأت الحوامل الإخبارية تقدم تقاريرها عن الأزمة الاقتصادية لترسم صورة جديدة عن أنها ثورة جياع وعراة ضد النظام (مثالاً مقولة الدخل القومي يذهب بمعظمه للجيش وكأن مأساة السوريين تتمثل بذلك وليس بنهب قوى الفساد.. )، ولا ننسى بعض الأطراف (تركيا- قطر – الجامعة العربية .....) التي تتاجر إعلامياً وإنسانياً بالظروف التي تمر بها نقاط التوتر من سوء أحوال اقتصادية وأمنية، وذلك لاستجلاب الخارج عسكرياً..

تمتلأ المساحات المتبقية في لوحتنا، نحن السوريين، فيكتمل المشروع بين كتلتين تشكلان قطبين متعنتين متحيزين لذاتهما، يرسمان الأزمة بالأقلام نفسها، فهل يبقى الشعب السوري في موقف المتفرج؟ أم أنه حان الوقت ليأخذ قراره بإنهاء فصول الأزمة، بوقوفه ضد قوى الفساد في النظام وقوى التآمر الخارجي مرة واحدة؟؟

معلومات إضافية

العدد رقم:
542