جورج دحدوح جورج دحدوح

المعارضة والمانشيت

قرأت في إحدى وسائل الإعلام المحلية المانشيت التالي «وسط مقاطعة المعارضة ... سورية تستفتي على الدستور الجديد»، ذكرني هذا المانشيت، بأصل كلمة مانشيت ومنشئها، فقد نشأ المانشيت أساساً وتاريخياً في الصحافة الصفراء بينما نأت الصحف المحترمة «البيضاء» بنفسها عن استعماله، وقد استعملته الصحف الصفراء التي تعتمد على الفضائح وأنصاف الحقائق والإشاعات في بيع أعدادها، للفت نظر المارة إلى مقال خرافي ما، أو إلى فضيحة مفترضة لإحدى شخصيات المجتمع البارزة، و من ثم درج استعماله من جميع  الصحف لأن الصحف النظيفة الموضوعية بدأت تخسر موقعها عددياً، كون العدد الأكبر من الناس يفضلون قراءة بضع كلمات تختصر مقالاً طويلاً قد تكون قراءته  مرهقة للكثيرين، أي نفس مبدأ «التويتات» لموقع تويتر العالمي.

 لن أستطيل وأستعرض في الحديث عن المانشيت بحسناته وسيئاته، وأعود لموضوع «وسط مقاطعة المعارضة ... سورية تستفتي على الدستور الجديد»، من هي المعارضة؟ هل هي من تصف نفسها بالمعارضة؟ أم من تصفه الجزيرة والسي إن إن بأنه معارض؟ وما سر هذا الاتفاق الضمني غير المفهوم بين وسائل الإعلام المحلية الرسمية منها والنصف نصف وحتى «المعارضة» مع وسائل الإعلام الجزيرية والعبر بحرية على وصف كل من يطالب بالتدخل الخارجي، أو يرفض الحوار مع أحد، أو كليهما، بالمعارضة، ووصف كل ما عداها بالموالاة؟ عندما يحدث أمر ما مرةً واحدة أو اثنتين أو عشر فقد يكون خطأً، أما الإصرار على الخطأ فهو ليس فضيلةً إلا في إعلامنا العتيد، إن قيام الجزيرة والعربية وغيرها من الأساطيل الإعلامية، بعزل المعارضة التي تعرف أنها لن تتعاون معها يوماً ضد الثوابت الوطنية، وإبراز وصف المعارضة على كل من هو مستعد على التحالف مع الشيطان لإسقاط الدولة قبل النظام، وإن كان في ذلك خراب البلد «الخلاق»، غير مستغرب أو مستبعد من أجهزة إعلامية تتبع لأنظمة شمولية مشيخية كالنظام السعودي «قناة العربية» أو النظام القطري «قناة الجزيرة»، أما أن تتبنى أجهزة الإعلام المحلية بموالاتها وعدمه هذا الطرح الخبيث ذاته، فهو يندرج في إحدى خانتين، الجهل أو... التضامن؟!!!

إن النجاح الباهر الذي أحرزته الأجهزة الإعلامية الناتوية بغض النظر عن اللغة التي تنطقها له ما يبرره، فأجهزة الإعلام المحلية ليست نداً لها، والاعتراف بالذنب فضيلة، لايمكن أن نربح الحرب الإعلامية التي تشنها أجهزة إعلام، تعمل منذ عقود على تلميع صورتها أمام الرأي العام المحلي والعالمي، بإعلام مبحوح كإعلامنا، هذه الأساطيل تلمع صورتها وتشحذ «حياديتها» منذ ما يزيد على العشر سنوات كي تضرب ضربتها حين يحين الوقت «وقد حان منذ عام»، وهنا يذكرني حوار دار بيني وبين أحد الشاتمين لأقنية العربان، فقد أخذ يسب ويشتم الجزيرة الكاذبة التي تبث أخباراً ملفقة ومفتعلة، وتنشر أخباراً قبل وقوعها بساعات، دلالةً على تواطؤها في صنع الخبر عوضاً عن الاكتفاء بنشره، فأجبته بالمثال الآتي: أقمت شخصياً لحين من الزمن في بلد أوروبي، وقد لاحظت أن الوحيدين الذي لديهم «دش» أو «ستلايت» هم أبناء الجالية العربية! لماذا؟ لأن أبناء ذاك البلد الأوروبي لديهم حوالي الثلاثين محطة أرضية ناطقة بلغتهم الأم، بكافة الانتماءات السياسية والاقتصادية والترفيهية والتجارية الرخيصة منها والنفيسة، لكل حزب سياسي كثر أنصاره أم قلوا، قناة تلفزيونية أرضية، أو/و إذاعة تنطق باسمه،  والناس ليسوا بحاجة لأقنية البي بي سي واليورونيوز و السي إن إن، وهم بغنىً عن الأقنية الفضائية، فيكاد يكون لكل مواطن محطة تمثله وتمثل خطه السياسي أو الاقتصادي أو الترفيهي، فماذا عنا يا ترى؟ و لماذا يكاد الناظر من جبل قاسيون إلى كنز أحلامنا يصاب بزيغان البصر لكثرة «الستالايتات» المنتشرة على الأسطح؟  لقد تركنا مهمة الإعلام للجزيرة والعربية والبي بي سي، والآن نلومهم على حربهم الضروس، ونسينا السبب الأساس وراء هروب المواطن السوري إلى التحنط أمام هذه الأقنية، منذ ما يزيد على عشر سنوات، حتى باتت «الوسائل» الإعلامية المحلية تتبنى بالحد الأدنى مصطلحات وتوصيفات هذه المحطات العدوة، بعد شتمها وتعليق الدم السوري برقبتها.

 إن لوم الأعداء على ملء فراغ كنا قد أفرغناه طواعية، هو هروب من المسؤولية، فماذا عن تبني المصطلحات والأوصاف، إذن «المجلس الوطني السوري» و«الجيش السوري الحر» هم المعارضة الخائنة والعميلة بشقيها المسلح والداعي كل من هب ودب إلى دوس ترابنا، و«هيئة التنسيق الوطني» و «تيار بناء الدولة» هم المعارضة الوطنية التي ترفض التدخل الخارجي وبذات الوقت لا تريد المشاركة لا في الحوار ولا غير الحوار، تريد أن تستقطب ما تبقى لها من الشارع المعارض الذي لم يتحزب للـ«معارضة» الخارجية بعد، فماذا عن المعارضة المتجاهلة عمداً من الجميع؟ المعارضة التي تهتم فعلاً لحاجات وهموم المواطن السوري على امتداد تراب الوطن، ماذا عنها؟ المعارضة التي شاركت في تعديل الدستور لبناء أساس جديد تعددي عادل لجمهورية ثالثة، المعارضة التي تطالب بحكومة وحدة وطنية بصلاحيات واسعة بمشاركة جميع فئات الشعب، لتزيل أسباب نشوء أزمة ماتزال مستمرة بأسبابها ودمائها، المعارضة التي تنتقد كل الثغرات الهائلة للحكومة الحالية والتي لم تزد ثغراتها من طينة الحكومات السابقة إلا بلة، المعارضة التي تنتقد غياب الحل السياسي بالتوازي مع الحل الأمني لأزمة الوطن والمواطن، والتي تحاول أن تشعل شمعةً بدلاً من لعن الظلام، إن قيام الجزيرة والعربية وغيرها بإسكات دور هذه المعارضة باتهامها تارةً بأنها صنيعة النظام وتارةً أخرى بتجاهل وجودها تماماً، هو أمر مفهوم  تماماً، أما قيام وسائل الإعلام المحلية، الرسمية وغير الرسمية، بتبني مصطلحات إعلام الناتو في تحديد من هو المعارض ومن ليس كذلك، فقد حان الوقت ليقول أحد ما لهذه المحطات والصحف، بأنه لم يعد يبدو بريئاً لكثيرين، ولم يعد مقبولاً في ظل أزمة كأزمتنا تبريره بالجهل والعوز المهني.

معلومات إضافية

العدد رقم:
542