تساؤلات حول الدستور القديم الجديد

يقول المثل : «أن تأتيَ متأخراً خيرٌ من ألاّ تأتي..»! ويقول المثل الآخر: «ليس بالإمكان أكثر مما كان..»! أمّا المثل الشعبي فيقول : «الذي لا يحضر عنزته تلِد جدياً..»!
لا شكّ أنّ عرض مشروع الدستور والاستفتاء عليه يأتي في ظلّ (الأزمة العميقة) التي تمر بها سورية وفي ظلّ موازين القوى الموجودة المضطربة داخلياً وخارجياً نتيجة الأزمة الرأسمالية وانعكاساتها، وبالتالي تركت مفاعيلها على صياغته وعلى الموقف منه سواء من القوى السياسية أو المواطنين الذين سيستفتون عليه

 إذ .. ما من مواطن إلاّ ومسته الأزمة إمّا سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو أمنياً، ومن هنا حكمه عليه سيكون تحت تأثيرها وتلك الأمثال نضربها ولعلها خير معبر عن ذلك وعن واقع الحال في الإعداد والمواقف..
بدايةً لا شكّ أن مشروع الدستور الذي يمكن القول عنه (القديم الجديد) خطوة متقدمة في الاتجاه الصحيح، فقد رسخ العديد من الايجابيات وطورها كما في العمل والصحة والتعليم، وإن تغيرت بعض المسميات فأعلى معدل نمو وأعمق عدالةٍ اجتماعية هي «الاشتراكية».. كما أزاح العديد من السلبيات والمواد التي تجاوزها الزمن كالمادة الثامنة التي جاء إلغاؤها تحصيل حاصل فرضها الواقع.. وتوسيع لهامش الحريات والمشاركة وحقّ الإضراب والتظاهر وغيرها...

لكن هذه الخطوة جاءت متأخرةً، ومتأخرةً جداً، ويمكن القول إنها جاءت في الوقت الضائع، وسبق أن طالبنا بالإصلاح الجذري والشامل وحذرنا.. وكان يجب أن تأتي قبل سنواتٍ أو على الأقل منذ انفجار الأزمة التي مازال البعض لا يعترف بها ويعتبرها مؤامرةٍ خارجية فقط  ويصرّ على الحلّ الأمني..متجاهلاً عن عمدٍ الحلّ ومطالب وحقوق الشعب..كما أنّ الإصلاحات يجب أن تكون جملة واحدة ليكون تأثيرها مترابطاً وليست خطوة هنا وأخرى هناك مع فارقٍ زمني يضعف تأثيرها.

 لذا ربما ستكون هذه خطوة إلى الأمام.. وربما خطوتين إلى الوراء إذا جرى تفويتها أو تفريغها من محتواها من خلال التعليمات التنفيذية والقوانين اللاحقة، كما جرى مع الخطوات الإصلاحية السابقة.. كرفع الأحكام العرفية والعفو والفرص العديدة التي توفرت لحل الأزمة والخروج منها بأقل الخسائر ولم تنفذ بشكلها المناسب مما ولّد انعدام الثقة لدى المواطنين وحتى لدى أنصارها وممن كانوا ملحقين بها ومستفيدين منها وهم في الواقع لا حول لهم ولا قوة ناهيك عن عامل الزمن..

وهذا ينطبق على من اتخذوا موقف المقاطعة مسبقاً وتخلوا عن حقّهم..ولعل هذا ما يريده الذين لا يرغبون بحلّ الأزمة سواء كانوا موالاةً أم معارضة في الداخل والخارج مع تحفظي على هذه المسميات والثنائيات الوهمية..لأنّ الثنائية الحقيقية الآن هي موقف وطني وموقفٌ لا وطني،وهو موجودٌ بين الاثنين.. وفي الموقعين..
   كما أنّ أي دستورٍ مهما كان جيداً لا يمكن تفعيله في ظلّ هيمنة قوى القمع والفساد التنفيذية والمتنفذة. كما أنّ مقارنة هذه الخطوة الإصلاحية بالبلدان الموجودة في المنطقة واعتبارها سبقاً وانجازاً كبيراً فيها من المبالغة الشيء الكثير لأنّه من الخطأ القياس بالأدنى أو تجاهل متطلبات الحاجة والواقع والإمكانات، وكذلك القول ليس بالإمكان أكثر مما كان ..لأنّ الشعب السوري بحضارته وتاريخه وإمكاناته وتضحياته وقدراته يحتاج ويستحقّ أكثر من ذلك بكثير.. كما أنّ القوى المعادية في الداخل والخارج تسعى للانتقاص من أية خطوةٍ إصلاحية..بل وتشويهها وتدفع باتجاه المزيد من التوتر..وتعيق أية حلول مهما كانت درجتها..

وأود كمواطن  أن أطرح بعض التساؤلات:
• لقد استغرقت لجنة الإعداد المكونة من بضعة وعشرين مواطناً أكثر من شهرين حتى أنجزته مع تقديرنا لجهودها والظروف التي ضغطت على عملها، فهل الفترة بين عرضه والتصويت عليه وهي حوالي عشرة أيام كافية لمناقشته وتكوين (رأي عام حقيقي) حوله من قبل ملايين المواطنين..أم أنه سيجري سلقه سلقاّ وسيكون إقراره تحصيل حاصل أيضاً ..؟
• لماذا لم تُعرض مناقشات اللجنة المعدة حول مواده علناً لتتيح للمواطنين تكوين فكرة عنها وعن مواقف أعضائها وإشراكهم كنشاط سياسي لاتخاذ موقف دقيق منها.؟
• هل خرجت اللجنة برأيٍ موحد أم أن هناك آراء وتباينات بغض النظر عن حجمها..وكيف حُسمت الأمور ومن حسمها..؟ وهذا يقودنا إلى تساؤل وربما هو الأهم:  هل التصويت على المشروع ككل، بعجره وبجره وبالتالي تمرير بعض المواد.. مسألة ديمقراطية.. أما كان يجب أن تُعرض المواد الخلافية وهي كما أعتقد قليلة على التصويت ومنها مدة الرئاسة مثلاً سبع سنواتٍ وهي طويلة بنظر كثيرٍ من المواطنين، كما أنها لا تتناسب مع مدة مجلس الشعب ذات السنوات الأربع ولا تتناسب مع الخطط الخمسية الاقتصادية الاجتماعية، وكذلك المادة الثالثة التي تحدد دين رئيس الدولة، وهي تتناقض مع المساواة في الحقوق والواجبات للمواطنين بغض النظر عن الدين والقومية و..و.. ويبدو أنها وضعت تحت ضغط الخوف من القوى الدينية المتشددة ومحاولة استرضائها على حساب المكونات الأخرى للمجتمع السوري وحتى لا تتخذها ذريعة أخرى، وأيضاً المواد المتعلقة بالصلاحيات الواسعة للرئاسة والسلطة التنفيذية وعدم توازنها على الأقل مع السلطة التشريعية ومنها حق حلّ مجلس الشعب المنتخب من الشعب وليس العكس..؟
• وأخيراً..هل يمكن أن يحل الدستور القديم الجديد الأزمة، أو يكون بداية حلٍّ لها وخاصةً أن الفترة المحددة لتغيير القوانين كي تتوافق معه ثلاث سنوات وهي أيضاً طويلة والأمور لا تحتمل مزيداً من التأخير واللعب في الوقت الضائع.. أم في هذه الحالة يمكن اعتباره دستوراً مؤقتاً أو لمرحلةٍ انتقالية ريثما تترسخ بعض الأسس الديمقراطية، ومن هنا جاء إعداده من  لجنةٍ منتقاة مقبولاً نسبياً،وليس من جمعيةٍ تأسيسية تشترك فيها كل أطياف المجتمع وقواه السياسية القديمة والمولودة مجدداً ..؟
• وفي النهاية.. 

إنّ أي دستورٍ مهما بلغ من الجودة يبقى حبراً على ورقٍ إذا لم تُفعل الحياة السياسية وتكون مطابقة لحركة المجتمع وفي ظِلّ (قانون الانتخابات) الحالي، سيُعاد إنتاج كثير من القوى والوجوه المهيمنة وهو لا يتناسب مع الدستور ولا مع متطلبات الشعب في المشاركة الحقيقية وبالتالي يجب أن يكون أول الأولويات بعد إقرار الدستور وقبل انتخاب مجلس شعب جديد هو تعديله وإعداد قانون يعتمد سورية دائرة واحدة ويعتمد النسبية، ويحقق التمثيل السياسي الحقيقي في مجلس الشعب.. وإلاّ كأنك يا أبا زيد ما غزيت..

معلومات إضافية

العدد رقم:
541
آخر تعديل على الإثنين, 19 كانون1/ديسمبر 2016 03:21