الرأسمالية في سورية أليست مأزومةً أيضاً..؟

يتفتق كثير من المحللين السياسيين، وخاصةً أولئك النفطيين، بتحليل الأسباب الكامنة وراء ما يجري في العالم العربي. يعيد هؤلاء أسطوانة واحدة متنقلين بين مقامات مختلفة كل حسب هوى المنبر الذي يرشقنا بتحليلاته عبره. ملخص الأسطوانة: ( الاستبداد، الديكتاتورية، حقوق الإنسان، الديمقراطية..الخ)..

يتجاهل هؤلاء عمداً أو قصوراً، أن في القلب مما يجري في العالم العربي هو ما يعانيه المركز الأمريكي- الأوروبي من تراجع مضطرد في الإنتاج الحقيقي وتضاعف معدلات التضخم والبطالة والكساد جنباً إلى جنب في توليفة لم يعد بمقدور كينز وفلسفته «الرحيمة» أن يحل طلاسمها، الأمر الذي هدد ويهدد مستوى الاستهلاك في الغرب وما يرافق ذلك من احتقان اجتماعي كل ما رأيناه حتى اليوم من أثينا إلى وول ستريت ليس سوى التداعيات الأولى له..

عمل المركز المأزوم على تصدير أزمته الراهنة منذ مطالع الألفية، من خلال حربه على «الإرهاب» في أفغانستان وغيرها، ومن ثم حربه من أجل «الديمقراطية» في العراق والسودان و..و..الخ. ولكن ما تندر الإشارة إليه هو أن هذه الصادرات (الحرب على الإرهاب والديمقراطية) سبقتها طوال النصف الثاني من القرن العشرين صادرات من نوع آخر لأزمة مستمرة هي الأزمة البنيوية للرأسمالية في مرحلتها العليا مرحلة (ربا رأس المال المالي العالمي). صدرت الرأسمالية أزمتها من خلال الانتقال من الاستعمار القديم «مرغمةً»، نحو الاستعمار الجديد بأساليبه المعروفة من (تبادل غير متكافئ، مقص الأسعار، التبعية التكنولوجية، وهجرة العقول). كان من الضرورة لكي تتمكن رأسمالية المركز من متابعة عملية النهب أن تحضر بنية البلدان المنهوبة لتقليص ممانعتها إلى الحد الأدنى، وجاء الحل على يد الليبرالية الجديدة حيث توافر ظرف تاريخي خاص توافقت فيه مصالح برجوازية جهاز الدولة أو ما يسمى بالبرجوازية البيروقراطية مع مصالح الرأسمال العالمي، حيث إن برجوازية جهاز الدولة وفي إطار تحولها من طبقة بذاتها إلى طبقة من أجل ذاتها بدأت تعي أن مصالحها الحقيقية هي في أن تتحول عن نمطها السابق من النهب نحو نمط جديد هو نمط النهب الطفيلي، حيث تعقد شراكة مع الشركات العالمية الكبرى عبر الناطقين باسمها أي صندوق النقد الدولي وبنك التجارة..

مع التوقيع بالأحرف الأولى على عقد من هذا النوع تكون البرجوازية فقدت أي صفة وطنية كانت لها سابقاً، وتعمل بجد واجتهاد على تحويل بنية الاقتصاد الوطني نحو ما يضاعف أرباحها، أي نحو كازينو مفتوح للمضاربات العقارية والمالية والخدمية..
هذا بالضبط ما حصل في سورية خلال العقدين الماضيين، وإن كانت سرعته أبطأ منها في مصر وتونس. وغدا بذلك الاقتصاد السوري مفتوحاً على أزمة الرأسمال العالمية مضافاً إليها أزماته الخاصة من ضعف إنتاجية وتراجع متواصل في دور الدولة وتفاقم في ريعية وطفيلية القطاع الخاص الذي لا يمكن أن يعول عليه كما أثبتت الحياة.
الرأسمالية والرأسماليون في سورية مأزومون كما هي حال الرأسمال في العالم العربي، وكما هي الحال في العالم بأسره..

معلومات إضافية

العدد رقم:
541
آخر تعديل على الإثنين, 19 كانون1/ديسمبر 2016 03:21