افتتاحية قاسيون 181: مَن يُحاسب مَن؟! 

تقوم الإدارة الأمريكية في حملتها على الشعوب، بتهيئة الأجواء أولاً بأول للتصعيد المتلاحق لهجومها السافر، هذا الهجوم الذي يأخذ أشكالاً متعددة وأولها العسكري.. والذي يتبين أنه الحل الوحيد في نهاية المطاف لأزمتها الاقتصادية المستعصية التي تنذر بأفول نجمها، وكأقصر الإمبراطوريات عمراً في تاريخ البشرية.

وهي، إن كانت تلوح اليوم بالعصا ضد العراق أرضاً وشعباً، فإنها تسخن الجبهات الأخرى من حوله تحسباً لكل الاحتمالات اللاحقة. فمن جهة أصبحت المملكة العربية السعودية هدفاً لابتزازها، رغم كل التفاهمات تاريخياً معها. وغير مستغرب أن تزداد الضغوطات على سورية، فهي، أصلاً في منظورهم، وانطلاقاً من قاموسهم، لها علاقة بالإرهاب، ولكن أن تصل الأمور الى حد سن قانون يسمى بكل وقاحة «قانون محاسبة سورية». فهذا دليل على فقدان الأوساط الحاكمة الأمريكية أي إحساس بالواقع وأية صلة بالمنطق.

إنها تريد أن تنصب نفسها حاكماً أوحدً على العالم، وحَكَماً وحيداً على الدنيا.

وينص القانون المقترح والذي وافق عليه حتى الآن 145 عضو من أعضاء الكونغرس والذي سيناقش في الخامس من أيلول، ليس فقط على المعزوفة المعروفة حول الإرهاب ودعمه، وإنما أيضاً على بند له علاقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان أي على تدخل سافر في الشؤون الداخلية لبلدنا.

وهذه البنود في القانون، في حال عدم تنفيذها، ستسمح للمشرع الأمريكي باتخاذ أقصى الإجراءات ضد المخالف بما فيها محوه من الخريطة بسبب جرم عدم الخنوع ورفض الإذلال.

لانريد تفنيد هذا القانون المقترح من الناحية الحقوقية، والذي هو خرق لكل القوانين الدولية، ولكن الإمبريالية الأمريكية ممثلةً بمجلس نوابها وشيوخها وإدارتها ليس لها أصلاً أي حق معنوي وأخلاقي بمحاسبة أحد، و ليس ببعيد أصلاً عن ذلك اليوم الذي سيحُول فيه رؤوسها إلى محكمة مجرمي الحرب الدولية.

إن الإدارة الأمريكية الحالية لم تخرج بسلوكها عن الخط العام والتقاليد التي أرساها من سبقها خلال عشرات ومئات السنين. فهذه الدولة قامت على  العنف منذ إبادة الهنود الحمر، وهي مستمرة عليه حتى يومنا هذا، ولاتفهم غير هذا المنطق الذي تتصرف على أساسه، منطق «رعاة البقر».

والأرجح أن منطقها هذا لا يسمح لها بالاستفادة من خبرة من سبقها في منطقتنا، إما الجهل بها وهذا ممكن، وإما الغرور الذي استفحل لدرجة الاستكبار  على من هو ليس معهم.

لقد قال الجنرال ديغول في حينه: «واهم من يعتقد بإمكانية إركاع سورية»!، قالها كممثل واقعي للإمبريالية الفرنسية التي جربت حظها في إخضاع بلادنا فلم تفلح، وظلت فيها، منذ يوم دخولها إلى يوم إجلائها، تواجه المقاومة البطولية لشعبنا، من ميسلون 1920 إلى معركة البرلمان 1945.

إن مقومات صمود سورية موجودة عميقاً في تراث شعبنا وتاريخ وطننا وهي تتطلب اليوم تعزيزاً لهذا الصمود إلى أبعد الحدود، كذلك فإن التجاوب السريع مع متطلبات تحسين الأوضاع الاقتصادية ـ الاجتماعية للجماهير الشعبية سيسمح بتعزيز الصمود وسيسد تلك الثغرات التي يحاول أن ينفذ منها العدو، كما أن تأمين أوسع الحريات الديمقراطية للقوى الوطنية سيسمح بتطوير الحراك السياسي في البلاد لمصلحة تجنيد القسم الهام من الجماهير في المعركة الوطنية الكبرى ضد المخططات الأمريكية التي تستهدف استقلالنا وسيادتنا ووحدة أراضينا.

إن المعركة القادمة مع العدو الأمريكي ـ الصهيوني ليست عادية ولن تكون تقليدية، وهي ستتطلب توظيف كل ذرة من طاقاتنا فيها، مما سيجعل كل مخططاتهم حرثاً في البحر وقبضاً للريح.

معلومات إضافية

العدد رقم:
181
آخر تعديل على الأحد, 18 كانون1/ديسمبر 2016 16:33