إرضاء قوى السوق أصعب من إغضابها

في ظل العولمة المتوحشة تقوم قوى السوق العالمية بمحاولة فرض شروطها الاقتصادية على العالم بأجمعه.

وهذه القوى لها امتداداتها المحلية التي تسعى ليس فقط للهيمنة الاقتصادية وإنما أيضاً من خلالها إلى الهيمنة السياسية. وهي حين لا تستطيع الوصول إلى أهدافها السياسية مباشرة، تضغط بكل قواها اقتصادياً كي تمهد السبيل لأهدافها النهائية.
وأهدافها الاقتصادية معروفة، وهي بنهاية المطاف إزاحة الدولة عن مقاليد التأثير على القرار الاقتصادي ونقل مركز الثقل في هذا المجال إلى أيديها من أجل الاستيلاء لاحقاً على جهاز الدولة نفسه.

والطريق إلى ذلك معلنة وهي: إلغاء دعم السلع الأساسية من أجل إلغاء أي دور اجتماعي للدولة أي من أجل تخفيض دور الدولة في المجتمع ومن ثم الانتقال للسيطرة على العملة المحلية عبر ما يسمى تحريرها أو تعويمها أي بكلام آخر إغراقها وتخليصها من حماية الدولة، بحجة فتح الطريق لإنشاء بنوك خاصة وأسواق مالية، وصولاً إلى خصخصة قطاع الدولة أي نهبه النهائي بشكل مشروع وعلني.

وكل ذلك ليس هدفاً بحد ذاته في مخططات قوى السوق بل مرحلة وسيطة تمهيدية، تطبيقاً لحقيقة معروفة وهي: من يملك يحكم ومن لا يملك لايحكم، وهي تريد أن تمتلك الأخضر واليابس من أجل فتح الطريق واسعة للسيطرة على كل القرارات التي ستسخرها لخدمة قوى السوق الدولية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.
وإذا كان برنامج قوى السوق معروفاً وواضحاً، فبرنامج القوى المناوئة لها معروف وواضح أيضاً، وبينهما لا مكان لبرامج وسطية قابلة للتطبيق والنجاح، وإذا توهم البعض أنه بتقديم بعض التنازلات لقوى السوق المحلية يمكن أن يخفف ضغط قوى السوق العالمية، فإن جميع هذه القوى تنظر إلى هذه التنازلات كمكاسب تسعى من خلالها إلى الحصول على مكاسب أكبر وأوسع.

أي بكلام آخر، إن أي برنامج توفيقي بين البرنامجين النقيضين في الظروف الإقليمية والعالمية الحالية محكوم بأن يكون خطوة فعلية باتجاه التمهيد لتطبيق برنامج قوى السوق كاملاً غير منقوص، يهيئ لقفزتها الأخيرة على مقاليد القرار السياسي.
والقرار السياسي اليوم في بلدنا سوريا، فيما يخص مواجهة المخططات الأمريكية والصهيونية، هو قرار وطني  يحظى بدعم الجماهير الشعبية الواسعة محلياً وعربياً، ويشكل قوة جذب هامة للشعوب العربية، وهو قوة مُربكة لقوى السوق العالمية تريد التخلص منه بأي شكل من الأشكال، وتسعى لإضعافه بكل الطرق، والضغوط على الجبهة الاقتصادية أحدها.

من هذا المنطلق تقتضي المصلحة الوطنية الحفاظ على هذا القرار، والدفاع عنه بكل الإمكانيات، وأصبح اليوم إفساح المجال للجماهير الشعبية للدفاع عن لقمتها أمام الهجمة المتوحشة لقوى السوق والسوء هو السبيل الأساسي لتحقيق هذه المهمة، فقد بينت التجربة أن لا رادع لهذه القوى إلا قوى الجماهير الشعبية المدافعة عن مصالحها التي هي مصالح الوطن، والمتحررة من كل القيود السابقة التي تعيق حركتها ونشاطها وتنظيمها.
إن إرضاء قوى السوق مستحيل، لذلك يجب أن لا يهاب أي وطني إغضابها، وهي أصلاً لم تترك للآخرين إلا هذا الخيار، خيار المقاومة الشاملة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
176