ما هكذا يتم تمويل زيادة الأجور
بينما العدد ماثل للطبع اليوم جرت زيادات في الأسعار، تلت صدور مرسوم زيادات الأجور والتعويضات المختلفة. وكانت الافتتاحية مصاغة على أساس تأكيدات السيد وزير المالية مساء الاثنين على شاشة التلفزيون السوري والتي أعلن فيها أن الزيادة على الأجور حقيقية وإن تغطيتها ستتم من وفورات الموازنة وهو ما نص عليه المرسوم نفسه القاضي بزيادة الأجور، ولذلك فإن الافتتاحية بصيغتها السابقة كانت مؤيدة لهذه الزيادة ولطريقة تمويلها المعلنة التي استبشرنا بها خيراً، والتي خاب الأمل بها لاحقاً. ولكن التطورات الأخيرة اضطرتنا لتعديل تقييمنا لها.
فقد زادت أسعار البنزين 20% والمازوت 40% والغاز 30% كما زادت تعرفة المياه دون الإعلان عن ذلك في وسائل الأعلام حتى حينه، وهذا كله يدل على أنه ستبدأ سلسلة ارتفاعات في الأسعار يستحيل التحكم بها بقرارات إدارية، فالمواد التي زادت أسعارها هي مواد استراتيجية، وتدخل عملياً في تكلفة كل المواد الاستهلاكية والمصنعة بنسبة عالية، والمتوقع حسب آراء الاختصاصيين أن تصل زيادات الأسعار في السوق إلى حدود 50% على أقل تقدير.
وهذا يعني أن زيادات الأسعار الحالية ستبتلع عملياً الزيادة السابقة والحالية للأجور، أي أن مستوى المعيشة سيهبط فعلياً عن المستوى الذي كان عليه قبل الزيادة الأخيرة.
والملفت للنظر والغريب أن الزيادات الأخيرة في الأسعار تناقض أو تخالف المرسوم الجمهوري القاضي بتأمين مصادر تمويل الزيادة على الأجور من وفورات الموازنة حصراً.
إن طريقة الزيادة الحالية للأجور تؤكد ضرورة إعادة النظر بالسياسة الأجرية التي يجب أن تستند إلى إعادة النظر بالحد الأدنى للأجور كي يتناسب مع الحد الأدنى لمستوى المعيشة، وأن يجري ربط الأجور بالأسعار دورياً، وأخيراً إلى ضرورة تمويل هذه الزيادات من مصادر حقيقية.
فالزيادة الأخيرة لو كانت ذات مصادر تمويل حقيقية للعبت دوراً ما في ردم الهوة بين الأجور والأسعار، وكذلك بين الأجور والأرباح، ولكن تمويل هذه الزيادة من مصادر تمويل تعتبر تضخمية نسف فعلياً كل هذه الزيادة، ولم يخرج بمنطقه عن تلك السياسات الاقتصادية التي اتبعت سابقاً، والتي أساءت إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
ولو بقيت مصادر تمويل الزيادة الحالية في الأجور ضمن إطار طريقة تمويل الزيادة السابقة لبقي الأمر أهون شراً وأقل وطأة، وكان الجميع يأمل في أن تخطو طريقة التمويل اليوم خطوة إلى الأمام كالتي خطتها الزيادة السابقة، ولكن هذا لم يحصل.
إن الوضع يتطلب إعادة النظر بطريقة تمويل الزيادة الأخيرة في الأجور والإلغاء الفوري لكل القرارات القاضية برفع أسعار المحروقات والغاز والماء، وهذا ممكن وضروري كي تستعيد الجماهير الشعبية ثقتها بإمكان تحقيق إصلاح اقتصادي حقيقي يؤمن مصالحها.
إن الزيادة الحالية بالشكل الذي تمت فيه ستعمق الخلل بين الأجور والأسعار وبين الأجور والأرباح، ولن تحسن مستوى معيشة الجماهير الشعبية الذي يجب أن يكون هدف كل إصلاح في نهاية المطاف.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 175