الافتتاحية كي تستمر المقاومة... وتنتصر
أهم مجال يجب أن تنعكس فيه نتائج المعركة الأخيرة في لبنان على المستوى الوطني السوري، هو الوضع الداخلي وخاصة شقه الاقتصادي.
فهذه المعركة أثبتت أنه لا سقف أمام أطماع ونوايا المعتدي، وهو لا يفهم إلا لغة القوة.
ولكن القوة هي ليست فقطقوة سلاح، بل هي أيضاً قوة إرادة وتنظيم. والتوازن بين الطرفين المتصارعين يتغير بقدر توظيف هذه العناصر الثلاثة وحسن استخدامها.
فالسلاح وحده لم يعد العنصر الحاسم والوحيد في المعركة كما في الحروب السابقة، وهذا أمر جيد، لأنه في ظل اختلال ميزان القوى الدولي ضد مصالح الشعوب بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أصبح التوازن العسكري أمراً مستحيلاً، والجيد أن العناصر الأخرى يمكن أن تعوض هذا الخلل، فالإرادة هي موقف سياسي واعٍ يحاكي تطلعات وطموحات الشعب، وبقدر ما تتحقق كرامة هذا الشعب، بقدر ما تتصلب الإرادة التي يجب أن تلتف حولها جماهير أوسع فأوسع وتصبح بالتالي غير قابلة للانكسار. وتحقيق هذه الإرادة يتطلب تلبية مصالح الناس المادية المتعلقة بلقمة العيش، وغير المادية المرتبطة بالتعبير عن نفسها عبر حريات سياسية تصبح هي الضمانة لحماية مستوى المعيشة المطلوب والمتحقق.
وغني عن البيان أن تحقيق هذا الأمر يزيد من تلاحم المجتمع حول الأهداف الوطنية العامة، ويرفع مستوى الثقة بالقيادات السياسية، الأمر الذي دونه لا يمكن تحقيق النجاح في أية معركة.
وإذا كانت الإرادة هي شرط ضروري للانتصار في المعركة القادمة المفروضة علينا، إلا أنها شرط غير كاف إذا لم يرافقها درجة عالية من التنظيم لجهاز الدولة والمجتمع، وهذه الدرجة من التنظيم يصبح من الضروري أن تصل وأن تتجاوز درجة تنظيم العدو كي تسد الفراغ الحاصل بالمجال العسكري البحت.
وهذا الأمر لا يمكن تحقيقه في ظل سياسات ليبرالية أو شبه ليبرالية أو ليبرالية مخففة أو مخفية في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، بل يتطلب الأمر انتقالاً سريعاً إلى دور جديد للدولة فعال، تنموي، قادر على تعبئة قوى المجتمع. وهذا الدور يجب أن يحل قضايا أساسية أهمها:
- مستوى النمو ودرجاته.
- موارد الاستثمار وبنيتها.
- توزيع الدخل وعدالته.
وإذا كانت الأعمال تقاس بالنتائج وليس بالنوايا، فيمكن القول إن الحكومة الحالية فشلت في تحقيق الحد الأدنى المطلوب لمعدلات النمو، كما وأن رهانها على موارد الاستثمار كان خاسراً، لأنها لم تراهن على موارد الاستثمار الداخلية التي يمكن أن تُحصّل بالاستيلاء على موارد الفساد والنهب الكبير خاصة، بل راهنت على الاستثمارات الخارجية التي لم تأت بالغزارة الموعودة، وإن أتت فإنها قد توجهت إلى مطارح لا تساهم في خلق اقتصاد مواجهة، بل تعمق الطابع الريعي للاقتصاد وتجعله أكثر رخاوة أمام الاستحقاقات القادمة، بالإضافة إلى أنها عمقت الخلل في توزيع الدخل الوطني لصالح الأرباح الكبيرة مما برز مؤخراً في الارتفاع الجنوني للأسعار، وخاصة في أسعار الأراضي والعقارات، الأمر الذي جعل حلم الحصول على سكن متواضع لأي صاحب دخل محدود أمراً بعيد.. بعيد المنال، وبالتالي أصبحنا أبعد خطوة وليس أقرب من هدف العدالة في توزيع الدخل الوطني.
إن المصلحة الوطنية العليا تتطلب إجراءات حاسمة وسريعة في السياسات الاقتصادية المتبعة، وإلا فسيبقى الخطاب السياسي المقاوم الذي يؤيده الشعب دون بنية تحتية تحميه وتحمله إلى بر الانتصار الذي يؤمن كرامة الوطن والمواطن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 281