الافتتاحية وللحرية الحمراء باب....
ماهو معيار الموقف الوطني اليوم بغض النظر عن اليافطات والشعارات والأهداف المعلنة لأي كان؟
إذا انطلقنا من أن الإمبريالية الأمريكية اليوم لديها مشروعها الإمبريالي الكوني الذي يهدف إلى إخضاع الكيانات الوطنية تمشيّاً مع مصالح الرأسمال المالي العالمي، وأن هذه العملية تهدف إلى السيطرة المطلقة على الثروات المادية والبشرية عبر إعادة تكوين شاملة للبنى الجغرافية ـ السياسية وصولاً إلى تفتيت كل البنى القائمة من دول ومجتمعات وإعادة تركيبها.
وإذا عرفنا أن منطقتنا تحديداً هي الهدف الآني لهذا المخطط، الذي له مراحله وآجاله الزمنية المختلفة لأصبح واضحاً أن مواجهة هذا المخطط بكل تجلياته السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعسكرية هو المعيار للموقف الوطني المعاصر لأية قوة سياسية أو اجتماعية.
وإذا كان المطلوب رؤية الأمور بحركتها بالنسبة للقوى والتيارات السياسية المختلفة، فإن المؤشر على موقف أية قوة، ليس ماضيها فقط في الموقف من الاستعمار بقديمه وحديثه، بقدر ماهو حاضرها ودرجة صلابة موقفها الآن، في هذه القضية الأساسية، أي بكلام آخر، فإن اليافطة الأيديولوجية أو السياسية لأي كان، لم تعد تشكل أية حصانة للموقف الوطني إذا لم يتجلّ هذا الموقف في الممارسة الملموسة الحقيقية.
والصحيح أيضاً أن الموقف الوطني ليس حكراً على أية قوة، فهو موقف يمكن أن تمثله إلى هذه الدرجة أو تلك أية قوة سياسية تعكس تمثيلاً اجتماعياً تتناقض مصالحه مع مصالح قوى العولمة المتوحشة، لذلك إذا استثنينا ممثلي مصالح قوى العولمة المتوحشة في أي بلد كان، يصبح الطيف الوطني موضوعياً، واسع الانتشار ولم يشهد له التاريخ مثيلاً بسبب حدة التناقضات التي يفرضها الصراع الجاري على مساحة العالم كله.
لذلك يصبح الحل الوحيد أمام قوى العولمة المتوحشة في منطقتنا لتنفيذ أهدافها، وهي تحديداً الإمبريالية العالمية وخصوصاً الأمريكية والصهيونية، هو محاولة تفتيت الداخل الوطني على أرضية الإثارة والتفعيل المصطنع للنعرات الدينية والطائفية والقومية المتعصبة.
من هنا يصبح المقياس العملي لأي موقف وطني هو:
- رفض كل أشكال الاستعمار القديم والمتجدد، وكذلك الاستعمار الجديد المستمر منذ النصف الثاني للقرن العشرين، وهذا الرفض يأخذ أشكاله الملموسة حسب الزمان والمكان وصولاً إلى ماابتدعته الشعوب من المقاومة الوطنية الشعبية المعاصرة.
- رفض كل أشكال الخضوع والخنوع والاستسلام بحجة الواقعية والحكمة واختلال توازن القوى والتكيف مع الواقع، والعمل فعلياً عبر النضال الجاد لتغيير موازين القوى هذه نفسها.
- إعطاء النضال الوطني العام ضد مخططات العولمة المتوحشة على ا لمستوى الإقليمي محتواه الحقيقي الذي يتجاوب مع مصالح الناس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لأن هذا المحتوى هو الذي ينسف مرتكزات العدو الخارجي داخلياً، ويرفع الحصانة الوطنية إلى أعلى درجاتها.
- إطلاق طاقات الجماهير والثقة بقدراتها وتفعيلها عبر أعلى مستوى ممكن من الحريات السياسية، لأنها كما أثبتت التجربة أكثر من مرة، الحاضنة الوحيدة لأية مقاومة شاملة.
- بما أن النضال الوطني العام ضد الإمبريالية الأمريكية يمتد اليوم من فنزويلا مروراً بمنطقتنا وصولاً إلى الشرق الأقصى، فإن التضامن الأممي المعادي للإمبريالية أصبح ضرورة حيوية لكل القوى الوطنية أينما كانت جغرافياً، فشافيز أثبت أنه أقرب إلى شعوبنا أكثر بكثير من معظم الحكام العرب، وبالتالي أصبح النضال من أجل التضامن العربي نضالاً يستهدف توحيد قوى الشعوب العربية لعزل هؤلاء الحكام وإسقاطهم.
- إن خط الفصل اليوم بين الموقف الوطني ونقيضه لايمر عبر إعلانات التكوينات السياسية المختلفة رغم أهمية بعض مايعلن، بقدر مايمر عبر الممارسة على الأرض والاستعداد الحقيقي للمواجهة وتقديم التضحيات الضرورية للحفاظ على كرامة الوطن والمواطن تأكيداً لقول الشاعر:
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة يدق
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 282