الحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي) ينوس مابين المركزية في التنظيم والليبرالية في السياسة والاقتصاد الحزب الديمقراطي الاجتماعي.. بدلاً من الحزب الشيوعي
■ شعار الديمقراطية يغطي تحركات غير مفهومة.
■ بقاء حاكمية الأمين العام حتى لو تغيرت التسمية.
■ الديمقراطية الخيالية في المشروع، هي الجناح السياسي المكمل للجناح الاقتصادي الرأسمالي.
صدر عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري في أواخر كانون الأول/ديسمبر 2003 مشــــــــروع موضوعات المؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوري في 51 صفحة من القطع الكبير تحت العناوين التالية:1- العالم يتغير ..والتاريخ يستمر أ-العالم حتى الحرب الكونية الثانية، ب-العالم من الحرب الثانية الى نهايةالحرب الباردة، ج-نهاية الحرب الباردة والعولمة، د- أي عالم نريد؟ عالمٌ تتبلور فيه أممية جديدة معاصرة متلائمة مع القرن الجديد ومهامه الكبرى، وتنغلق الطرق أمام التعصب والحقد والكراهية، وتضيق تدريجياً أمام الاستغلال والاستبداد والجوع والاغتراب.. وهذا وعد الاشتراكية الكبير. 2- أدوات تفكير جديدة ومفتوحة، أ-حول الفكر، ب -التجربة، ج-الديموقراطية والتقدم، د-الديموقراطية والاشتراكية. 3-القومية العربية: محاولات وأحوال، أ-صعود تجربة النهضة العربية الثانية وانحدارها، ب-الحالة الراهنة: الاستبداد، ج-فلسطين-اسرائيل: سبب اضافي كبير للحالة العربية، 4-سورية، من الاستبداد الى الديموقراطية، أ-سورية في القرن العشرين، ب-في عمق الأزمة الشاملة: أزمة اقتصادية، الحالة الاجتماعية السياسية، ج-الطابع السياسي للنظام، د- التغيير آت، هـ-آليات الانتقال، و-طريق ثالث وقوة ثالثة، ز-الهواجس والضمانات.. العقد والتعاقد، 5-حول برنامجنا، «انطلاقاً من ادراك ضعف المعارضة حالياً، لابد من تشجيع أية مبادرة للعودة بالمجتمع الى السياسة، وبالناس الى الاهتمام بالشأن العام، وتنشيط المجتمع المدني، والتقاط أية امكانية لادماج الشباب والفئات المختلفة التي مازالت بعيدة عن العمل العام، في السياسة والعمل السياسي.» ولذلك فان تشكيل المجالس والهيئات المختلفة، محلياً وعلى مستوى البلاد، هو ظاهرة لابد من ملاقاتها ومساعدتها، حتى ولو بدت متعارضة الى هذا الحد أو ذاك مع بعض خطنا وبعض رؤيتنا»
6- حول مفهوم الحزب، «ان الحزب الديموقراطي اتحاد طوعي بين أشخاص أحرار لتحقيق أهداف بعينها على أساس منهج واحد، وبرنامج محدد، وبالتالي، فالحزب ليس غاية بذاته، بل وسيلة لغايات وأهداف . لهذا، يحق لكل مواطن يحدوه الأمل لتحقيق هذه الغايات الانتساب اليه في أي وقت على هذه الأسس، ويحق له، في الوقت نفسه،أن يخرج منه متى شاء دون خوف من تشهير أو ادانة أو ملاحقة أو ماشابه ذلك.
وصدر في اواخر شهر آذار/مارس الفائت مشروع نظام داخلي مع تقديم واعلان مباديء واقتراح لاسم الحزب بأن يكون الحزب الديموقراطي الاجتماعي. وقد استقبل المشروعان بما يستحقان من اهتمام كبير تبديا في الاشتراك النشيط والمسؤول تقييماً ونقداً في وسائل النشر . وكما بيَّن مشروع الموضوعات فان الحزب الشيوعي المذكور في طريقه لأن يسير في اتجاه معلن آخر: اتجاه «الليبرالية»، إن كان في السياسة أو في الاقتصاد. ويعني ذلك أنه سيخرج من دائرة الانحياز المطلق الى طبقة محددة، وهي الطبقة العاملة، والانحياز غير المطلق الى جانب الطبقة النقيضة الأخرى المتمثلة بالبورجوازية. وهو، بالتالي، سيخرج من دائرة الانحياز المطلق الى جانب أفكار الطبقة العاملة، أي أفكار الاشتراكية العلمية أو «الشيوعية» في صالح «أفضل ما اختزنه الفكر الانساني وتراثه العربي الاسلامي الكبير» (مشروع النظام الداخلي ص 1)وبالطبع، لم يعد هذا الحزب، حسب المشروعين المذكورين، يسترشد بالنظرية الماركسية- اللينينية، وان كان لايزال يعتبر الماركسية أحد مصادر المعرفة .
واذا كان مشروع الموضوعات (البرنامجي) يتناقض، الى هذا الحد أو ذاك، مع الاتجاه العام للبرامج التي اقرتها الفصائل الشيوعية السورية الأخرى على المستوى الفكري بالدرجة الاولى، فان بالامكان، مع ذلك، التركيز على ضرورة توحيد جهود الشيوعيين السوريين وغير الشيوعيين السوريين: ليبراليين وغير ليبراليين، في الكفاح ضد الامبريالية الاميركية والصهيونية اللتين توجهان رأس حربتهما المسموم الى نحر منطقتنا. وسبق لي أن ذكرت في صحيفة«حوا» التي أصدرتها مع الرفيقين فاتح جاموس وكمال لبواني في ايلول 2001 الى أن البلاد بحاجة الى حزب ليبرالي. وسينفسح المجال لآجال مديدة للتعاون بين الطبقتين الأساسيتين في المجتمع المعاصر، وهما الطبقة العاملة والبورجوازية. إلا أن ذلك لايقلل من حدة التناقضات بينهما ووصول التعاون في لحظة تاريخية معينة الى طريق مسدود.
ولايضيف شيئاً جديداً التأكيد، في مشروع النظام الداخلي، على أن « سياستنا اليوم تعتمد الديموقراطية خياراً نهائياً، كهدف نسعى اليه، ونناضل من أجله». ذلك أن السياسة بحقيقتها بقيت غائبة أو محجوبة. اذ كان يجب التحديد، إن كانت سياسة الحزب تمثل أو تنحاز الى جانب هذه الطبقة أو تلك. ويقف حائلاً دون اتهامها بالديماغوجية انحصار ممارسة الديموقراطية على أوسع نطاق حتى اليوم، بالأحزاب وبالبلدان الرأسمالية. إلا أن هذه الديموقراطية بالذات ستسقط شهيدة حين تصبح سلاحاً فعالاً، ليس بيد الرأسمالية وحدها، بل أيضاً بيد الطبقة العاملة والفئات المسحوقة.
ومن جهة أخرى، فان «الديموقراطية» التي يهلل لها الكثيرون ويكبرون، ليست خاضعة الى الأماني والرغبات والارادات الطيبة، بقدر ماهي خاضعة الى مستوى التطور الاقتصادي للبلد أو للبلدان المعنية. ولاتفيد أية أمانٍ ورغبات وارادات طيبة في فرضها وتطبيقها تطبيقاً خلاقاً ومثابراً في مجتمعات لازالت علاقات الانتاج فيها علاقات سابقة على الرأسمالية أي قبلية وعشائرية والخ( كما هو الأمر في معظم بلدان العالم الثالث، ومن ضمنها بلداننا العربية. وستُفرض الديموقراطية بقوة الضرورة حين يشتد التنافس والتزاحم بين الشركات والاحتكارات الوطنية و/أو الأجنبية...
وهكذا فان «الديموقراطية» الخيالية في مشروعي (المكتب السياسي) هي الجناح السياسي المقابل والمكمل للجناح الاقتصادي الرأسمالي. ويلعب الجناحان دوراً ايجابياً بناءً لفترة طويلة أو قصيرة. ولكن ما أن يعيش النظام الرأسمالي كامل حياته حتى يصبح جناحاه بحاجة الى ادخال تعديلات عميقة تشمل كل شيء تقريباً: اذ يجب توسيع سلطة الديموقراطية لكي تشمل الجوانب الاجتماعية المحرًّمة في ظل العلاقات الرأسمالية. وأستميح الرفاق الذين وضعوا المشروعين المذكورين عذراً ان قلت أن شعار «الديموقراطية» عندهم، يغطي، أو أن المطلوب منه أن يغطي تحركات غير مفهومة. و كأني بالرفاق يطلبون البراءة أو التوبة بالتفسير الايماني لما أطلقوا عليه اسم العلمانية في مشروع النظام الداخلي.
وأخيراً فان مواد النظام الداخلي لاتختلف إلا قليلاً عن مواد أي نظام داخلي لأي حزب شيوعي، ولم يستهدف التغيير المقترح الجوهر بقدر ما استهدف الشكل: فالفرقة سميت وحدة، واللجنة المنطقية سميت منظمة المحافظة.. ولاضرر من الاضافات وبعض التفصيلات. إلا أن مايلفت النظر التناقض مابين المادتين
43 و44 إذ تقول الاولى:ان اللجنة المركزية تنتخب من بين أعضائها مكتب أمانة. ويتولى المكتب تسيير أعمال الحزب مابين اجتماعين للجنة المركزية، ويتابع عمل مكاتبها الاختصاصية. يجتمع مكتب الأمانة المركزية مرة كل اسبوع.
المادة44: تنتخب اللجنة المركزية أميناً أول لها بين أعضائها، يكون ناطقاً باسم الحزب، يتابع الأمين الأول عمل الحزب اليومي مابين اجتماعين للأمانة المركزية، ويتابع تنفيذ قراراتها وسياسات الحزب. ويمكن أن يدعو الى اجتماع استثنائي لمكتب الأمانة عندما يرى ذلك ضرورياً، أو يمكن لثلثي أعضاء المكتب الدعوة الى ذلك.
اذن، مكتب الأمانة كمكتب يشتغل يوماً واحداً في الاسبوع، أما الأمين الأول فيشتغل سبعة أيام في الاسبوع. وكان من الضروري عدم تخصيص الأمين العام بما خصته المادة 44. والأصح تعميم هذا التخصيص على كل أعضاء مكتب الأمانة. وإلا عدنا الى حاكمية الأمين العام حتى لو سمي أميناً أول، أو كاتباً أول، حسب المغربيين.
■ نذير جزماتي