كيف نُقيّد الليبرالية المنفلتة؟  

بعد انفلات الليبرالية الجديدة من عقالها منذ أوائل التسعينات وهي تعيث في الأرض فساداً تحت لواء «دعه يمر، دعه يعمل»، قاصدة فتح كل الحدود أمام حرية حركة الرساميل لتسريع دورانها لأن أي تباطؤ في حركتها يعني المخاطرة بهزات لا تُحمد عقباها على النظام العالمي الرأسمالي بمجموعه.

وقد واجهت الحركة الجماهيرية في العالم هذا الوضع الجديد، ومنذ أحداث سياتل بشعار «العودة إلى الشارع»، الذي فعل فعله ويؤثر اليوم بشكل عميق على مجرى المواجهة بين قوى الرأسمال العالمي والقوى المعادية للعولمة المتوحشة.

وتضغط قوى العولمة الرأسمالية في كل مكان لتنفيذ برنامجها الشامل، ويحمل هذا البرنامج على الأرض قوى برجوزاية طفيلية لا وطن لها ومستعدة للتخلي من أجل تمرير مصالحها ليس فقط عن الاستقلال الوطني وإنما أيضاً عن مفهوم السيادة الوطنية، تحت حجة «القرية العالمية».

وفي ظل المعركة الوطنية الكبرى التي تخوضها سورية اليوم لمنع تنفيذ مخططات إسرائيل الصهيونية في المنطقة ترتدي أهمية كبرى قضية مواجهة الليبرالية الجديدة داخلياً لما تحمل من مخاطر كبرى على مستقبل النضال الوطني كله. وتستند هذه الموجة في هجومها على عمقها العالمي الذي تمثله قوى الرأسمال المالي، وهي تهدف إلى إعادة سيطرتها على المواقع المفتاحية في الاقتصاد الوطني من أجل السيطرة اللاحقة على القرار السياسي.

ومن هنا يصبح واضحاً أنه لا مجال للمساومة مع هذه القوى، فأي تنازل يُقّدم لها تعتبره مكسباً ولا تكتفي به. بل تطالب بالمزيد معبرة عن عدم اكتفائها بما قدم سابقا ًوهي تتبع في هذا المجال سياسة الخطوة خطوة للضغط باتجاه تنفيذ برنامجها تنفيذاً كاملاً.

على هذا الأساس يصبح السؤال مشروعاً: ما هي الوسائل الأنجع لتقييد هذه الليبرالية المنفلتة من عقالها، وهل تكفي قوة الدولة وحدها ووسائلها للقيام بهذه المهمة؟

لقد أثبتت التجربة أنه في الظروف الملموسة الحالية، يبقى هامش الدولة للمناورة مع قوى الليبرالية الجديدة ضيقاً جداً، إذا لم تكن هنالك في المجتمع حركة شعبية متنامية تتصدى لبرنامج قوى العولمة المتوحشة الذي يأخذ شكلاً خاصاً في ظروفنا السورية، وسيتسع هذا الهامش بلا شك بوجود حركة شعبية تتمتع بحريات ديمقراطية واسعة وقادرة على التعبير عن مصالحها ومطالبها الاقتصادية والاجتماعية.

 

لذلك يصبح على رأس جدول الأعمال اليوم العمل على التحقيق الجدي لحق الإضراب الذي يعتبر من أهم الحقوق الديمقراطية، والإضراب اليوم ليس عملاً مضراً بالاقتصاد الوطني كما يتصور البعض، بل بالعكس تماماً، فهو ذلك الصمام الذي سيؤمن التطور المتوازن للاقتصاد الوطني في ظل حرية حركة الرساميل، فكلما زادت حرية الرأسمال، وجب أن تزداد مساحة حرية الطبقة العاملة في الدفاع عن مصالحها وفي ذلك تكمن المصلحة الوطنية الحقيقية والعليا.