أي إصلاح اقتصادي نريد؟

تزداد أهمية هذا السؤال في عالم اليوم، وفي هذه اللحظات تحديداً، نتيجة للأزمة الشديدة التي يعاني منها الاقتصاد الرأسمالي العالمي، والذي لم تستطع حلوله «المعولمة» حتى هذا الحين إيجاد مخرج جدي لها. ومظاهر هذه الأزمة واضحة اليوم وخاصة في أسواق المال والأسهم وما تتعرض له من اهتزازات شديدة، يتوقع الاختصاصيون على أساسها انهياراً شاملاً وخاصة الدولار الأمريكي خلال المستقبل المنظور جداً، وتبحث اليوم الحكومات في روسيا وأوروبا وبشكل سريع الإجراءات التي يجب اتخاذها فوراً لحماية اقتصادها وعملاتها من آثار الانهيار المتوقع الذي لن يكون له مثيل خلال التاريخ الحديث على الأرجح.

ولا شك أن هذه الأزمة هي تعبير عن تناقض موضوعي تعيشه الرأسمالية العالمية ولا مخرج له كما فعلت سابقاً خلال القرن العشرين، إلاّ الحرب، وقد جربت حظها في هذا المجال خلال التسعينات واستطاعت تأجيل انفجار أزمتها مؤقتاً بفضل حرب الخليج والحرب اليوغسلافية، ولكن حتى هذه لم يدم تأثيرها طويلاً، وها هي الأزمة تحط رحالها بشكل ثقيل على مجمل الاقتصاد الرأسمالي العالمي.

والسؤال الأهم هو: ما العمل في هذا الظرف الدقيق والخطير لتجنيب اقتصادنا الوطني الآثار الضارة لهذه الأزمة أو على الأقل التخفيف قدر الإمكان منها ومن تأثيراتها على مستوى معيشة الجماهير الشعبية الواسعة؟.

إن دعاة اللحاق السريع بركب العولمة، يطالبون بإصلاح اقتصادي يربط اقتصادنا بعجلة الاقتصاد الرأسمالي العالمي بشكل لا فكاك فيه، مما سيّحمله عبر آليات الربط المقترحة، ألا وهي البنوك الخاصة والأسواق المالية، كل أثار الأزمة بشكلها الخفيف الجاري حالياً والحاد القادم لا محالة.

وهؤلاء ينطلقون ليس من مصلحة الاقتصاد الوطني عامة ومن مصلحة الجماهير الشعبية الواسعة خاصة وإنما ينطلقون من مصالحهم الضيقة كون جزء هام منهم أصبح جزءاً لا يتجزأ من الرأسمال العالمي الذي يدير الكون ويتحكم فيه.

وهم في دعواتهم المتأخرة للحاق بركب العولمة المتوحشة، مثلهم مثل الذي يدعو الناس للذهاب إلى الحج والناس في طريق العودة منه.

ومن حظ بلادنا أنها حتى هذه اللحظة قد تأخرت عن تنفيذ الإصلاحات المنشودة، لأنها بذلك تحديداً تكون قد أوجدت أفضل وسيلة لحماية نفسها من أثار الانهيار الشامل للدولار الأمريكي وملحقاته. وليس أحسن من استمرار هذا التأخر الذي سيتحول إلى نعمة تحسدنا عليها دول كثيرة.

ولكن الأهم يبقى هو صياغة الهدف الأساسي للإصلاح الاقتصادي المنشود الذي إذا ما تحقق سيدفع البلاد قدماً إلى الأمام وسيهيئ الظروف الموضوعية لتحسين معيشة الجماهير الشعبية الواسعة.وبكل بساطة يمكن اشتقاق هذا الهدف من الأسباب الأساسية التي أدت إلى تدهور الوضع الاقتصادي في خلال السنوات السابقة، وحينما نقول تدهور إنما نقصد ليس المؤشرات الكمية التي يقاس التطور الاقتصادي عادة من خلالها، من خلال تطور الدخل الوطني، ونمو الناتج الإجمالي إلخ... وإنما نقصد مستوى معيشة الناس، ومستوى الأجور وعلاقته بمستوى الأسعار، وعدالة توزيع الدخل الوطني من حيث علاقة الأجور بالأرباح وهذه المؤشرات هي مؤشرات نوعية ومركبة ومن خلالها فقط يقاس التطور الاقتصادي الحقيقي الذي تراجع فعلاً بسبب النهب والفساد الذي يعاني منهما الاقتصاد الوطني.

إن هدف أي إصلاح اقتصادي اليوم يجب أن يكون حماية البلاد من نهب الاحتكارات الأجنبية المتواطئة في عملها هذا مع أوساط هامة من البرجوازية البيروقراطية ومع البرجوازية الطفيلية، وهذا النهب الواسع للاقتصاد الوطني هو الذي أوجد ظاهرة تفشي الفساد على مختلف المستويات مما زاد الطين بلة.

 

لذلك يصبح الإصلاح الاقتصادي الذي تريده الجماهير الشعبية الواسعة والذي يعبر عن مصالحها هو ذلك الإصلاح الذي يقضي على النهب والفساد ويجتثهما من جذورهما، وفي ذلك المصلحة الحقيقية للدولة، من أجل استمرارها في تأدية وظائفها الوطنية والاجتماعية.