خط المواجهة يمر عبر الاقتصاد الوطني

تعرضت الليرة السورية خلال الأسابيع الماضية إلى هزة، لم يتبين حتى الآن فيما إذا كانت قد تعافت منها بشكل نهائي، وإذا حدث ذلك فالسؤال المطروح هو: ما هي ضمانة عدم تكرار الأمر مرة بعد أخرى.

إن موقف سورية الواضح تجاه المخططات الإمبريالية والصهيونية في المنطقة يزيد الضغوط عليها بلا شك، ويجعل اقتصادها هدفاً محتملاً لهذه المخططات.

ولكن أن يُعزى سبب الهزة الأخيرة لليرة السورية إلى عوامل إقليمية بالدرجة الأولى فهذا يعني محاولة الابتعاد عن بحث الأسباب العميقة المباشرة وغير المباشرة التي أدت إلى تخفيض هامش متانة الليرة السورية أمام الصدمات، مما سيؤدي بدوره إلى التكرار الحتمي للهزة التي ستتحول إلى هزات لن يستطيع أحد أن يقدر منذ الآن بشكل دقيق آثارها وتبعاتها السلبية النهائية. والمعروف إذا حدث ذلك فإن أول من سيتأثر هم أصحاب الدخل المحدود وعموم الجماهير الكادحة، التي سيهبط مستواها المعاشي.

لذلك لا مفر من بحث الأسباب العميقة للموضوع ومعالجته من أجل توسيع هامش متانة الليرة السورية أمام الهجمات المحتملة اللاحقة لقوى السوق والسوء المرتبطة بالأوساط المالية العالمية التي تدير آليات العولمة المتوحشة بمختلف أشكالها السياسية والعسكرية والاقتصادية.

إن السياسة الأجرية المتبعة والمستندة إلى تمويل الزيادات على رفع الأسعار وخاصة للسلع الاستراتيجية مثل المشتقات النفطية سبب رئيسي في زيادة الخلل في التناسب بين الأجور والأرباح، فسياسة كهذه تؤدي بالتدريج إلى تمركز الأرباح في يد قلة قليلة لا مصلحة لها في تطوير الاقتصاد الوطني مما يدفعها إلى تحويل رؤوس أموالها إلى الخارج مما يزيد الضغط على الليرة السورية كما أن الإجراءات الانفتاحية وخاصة في مجال التجارة الخارجية، في ظل ضعف معدلات النمو الحقيقية للاقتصاد الوطني المعتمد أصلاً في صادراته بدرجة كبيرة على الصادرات النفطية، يزيد من هذا الضغط.

وإذا أضفنا إلى ذلك الفورة في الأرباح الهائلة التي تحققها بعض الشركات الخدمية الخاصة في الفترة الأخيرة والتي تقدر شهرياً بمليارات الليرات السورية، فتبين لنا أن أي حدث طارئ، محلي، أو إقليمي يمكن أن يكون القشة التي تقسم ظهر البعير.

لذلك يجب معالجة الأسباب العميقة التي تضعف الاقتصاد السوري وتضعف عملته وتضعها في أي ظرف طارئ في مهب الريح.

إن اقتصاداً قوياً وليرة سورية متينةً ضمانة  أكيدة لمواجهة ناجحة للمخططات الأمريكية -الصهيونية في المنطقة وهذه المخططات تستهدف فيما تستهدفه اقتصادنا لتحويله إلى نقطة ضعف ثابتة يتم الضغط عليها بالتعاون بين قوى السوق المحلية والعالمية وبالتواطؤ مع بعض الأوساط البيروقراطية التي أصبحت لا ترى مصلحتها الطبقية الضيقة إلاّ في التنازل عن الثوابت الوطنية التي يٌجمع عليها شعبنا وقواه الوطنية.

 

إن معالجة الأسباب المباشرة لاهتزاز الليرة السورية أمر هام وملح ولكن الأهم هو معالجة الأسباب العميقة غير المباشرة لسد الثغرة وعدم السماح بتكرار ذلك، لأن خط المواجهة الطويل يمر عبر الاقتصاد الوطني أيضاً.