المادة الثامنة.. وأعداء الإصلاح!
«الشعب يريد إسقاط الفساد».. عبارة رددها الشباب السوري في قلب العاصمة دمشق، وبالتحديد من أمام قلعتها التاريخية والنصب التذكاري لصلاح الدين الأيوبي في ذكرى انطلاق الجبهة الشعبية للتغيير في سورية، ولا نظن أن هناك عبارة يمكن أن يتوحد حولها السوريون إذا أسقطوا الشعارات غير الموضوعية كهذه العبارة، وهي توازي شعار تحرير الجولان.. لماذا؟!...
لأن الفساد لم يعد ظاهرة عادية في سورية، أو مسألة نسبية، بل هناك إجماع شعبي بأن الفساد أصبح سرطاناً ينخر في الجسد السوري منذ سنوات طويلة، ولابد من إيجاد علاج جذري له دون أي تأجيل أو مماطلة رغم ما قد ينشأ من اختلاف على درجة الفساد وأسبابه ونوعيته، فالغالبية الساحقة تجمع على أن هذا الوباء هو الداء الأخطر الذي يتهدد المجتمع السوري اليوم، خصوصاً وأن الفاسدين الكبار بدؤوا يدفعون البلاد باتجاهات خطرة وصراعات وهمية، مستفيدين من كون الفساد قد تحول إلى ثقافة من كل شاكلة ولون، وأصبح يهدد بشكل فعلي سورية كدولة موحدة هي مهد للحضارة الإنسانية..
من جهة أخرى، فإن الغالبية الساحقة من الشعب السوري أصبحت مقتنعة اليوم بأنه لا حل لظاهرة الفساد التي تضرب بالبلاد والعباد إلا بالإصلاح الجذري الشامل، والذي يعني تغير جوهري في طبيعة النظام، وهو ما يتطلب بداية دستوراً جديداً للبلاد، لأن الدستور القديم استُنفد وتجاوزه الزمن رغم كل الإيجابيات التي قدمها في فترة من الفترات، خاصة في مسألة ما يسمى «التحول الاشتراكي» في سورية.
نقول إن الغالبية الساحقة من الشعب تريد إسقاط الفساد ومنظومته وآليته لأنه لا يمكن العيش بأسلوب بال في المرحلة الجديدة، وهذا ما صرح به حتى رئيس الجمهورية شخصياً الذي دعا إلى الحوار حول كل شيء بما في ذلك المادة الثامنة من الدستور، وصولاً إلى دستور جديد كلياً، ولكن هناك أقلية لا تمثل إلا نسبة بسيطة من داخل النظام وخارجه لا تريد هذا الإصلاح، ولا تريد سورية الجديدة هذه، لأنها ببساطة تتعارض مع مصالحها وامتيازاتها، ولهذا لاحظنا مؤخراً هجوماً من العديد من الشخصيات القيادية في حزب البعث وفي قيادات الاتحادات والمنظمات الشعبية والأمنية على نوايا الإصلاح، وهي ما انفكت تصرح بأنها لا تريد تعديل المادة /8/ من الدستور، وحتى في اللقاء التشاوري صرح أحد البارزين في حزب البعث داخل اللقاء بأن تعديل المادة الثامنة يعني حرباً أهلية!! نعم حرب أهلية!!! قالها صراحة وكأنه لا يعيش في سورية، وكأننا لسنا في أزمة.
فلماذا كل هذا الهجوم؟؟
نقول صراحة إن هناك الكثير من المسؤولين داخل النظام يقفون ضد الإصلاح، وهم بذلك إنما يقفون ضد توجهات السيد الرئيس شخصياً، أي أنهم يساهمون في إطالة الأزمة وكأنهم لا يشاهدون الدم السوري الطاهر يسيل بالشوارع، ولا يتنبهون أن الوطن أصبح مهدداً من الداخل والخارج.
إن هؤلاء في الحقيقة لا يريدون الإصلاح اعترفوا بذلك أم أبوا، ويتفقون مع المعارضة الخارجية من الإخوان المسلمين والمأجورين الذي يتصدرون الشاشات وهم يطلبون من الأجنبي التدخل المباشر في سورية.
من هنا تأتي أهمية مقولة اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين السبّاقة والاستشرافية حول الثنائية الوهمية (معارضة - نظام)، ويثبت الواقع الحالي كما أثبت في الماضي القريب بأنها مقولة صحيحة ودقيقة، وتعني أنه ليس كل من في النظام فاسداً، وليس كل من بالمعارضة هو وطني شريف، والعكس صحيح.
إن العلاقة بين الكثير من قوى المعارضة الخارجية وأمريكا أصبحت على المكشوف ومعروفة للجميع، وهذا لا يعني أنه لا يوجد معارضة وطنية شريفة تريد سورية أفضل وأقوى وأكثر عدالة، وسورية حرة مستقلة عن أي تدخل أجنبي، وهذه المعارضة الوطنية الشريفة البناءة لا يستطيع أحد أن يزاود عليها بحب الوطن والوطنية، ولهذا يطالب كل سوري شريف يهمه مستقبل هذا الوطن بالإصلاح الجذري الشامل الذي يعني دستوراً جديداً لمولود جديد اسمه سورية الجديدة.
نقول صراحة، إن كل معارض لتعديل المادة /8/ من الدستور هو معارض للإصلاح، ومعارض للخروج الآمن من الأزمة.. وإن الذين لا يشاهدون الدم السوري الذي يسيل في الشوارع هم حقيقة عميان أو يعيشون في التاريخ، ولا ينظرون للمستقبل، لأن أصحاب الامتيازات من الإقطاعيين الجدد قد أصابهم عمى الألوان وهو حب التملك غير الشرعي والسلطة، وهم يساعدون بإسقاط النظام كما تريد المعارضة الخارجية المأجورة، سواء صرحوا بذلك أم لا، وهم بذلك يساهمون بسقوط سورية كوطن، وبعدها لا تنفع الدموع التي سيذرفونها كذباً على وطن كان يسمى «سورية»!.