أليس «عباس» مهندس اتفاقات أوسلو؟!

ليس مستغرباً ما أقدم عليه محمود عباس وتوابعه في السلطة الفلسطينية من قبول أوامر القنصل الأمريكي في رام الله- الذي زاره يوم 1/10/2009- بتأجيل التصويت على تقرير ريتشارد غولدستون في الاجتماع الدوري لمجلس حقوق الإنسان، والمتعلق بجرائم الحرب الموصوفة التي ارتكبها جيش الكيان الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني أثناء العدوان على غزة.

.. نحن لم نستغرب، لأن ما سبق أن اتخذه عباس وغيره من القيادات السلطوية الفلسطينية من تراجع عن الحقوق الوطنية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني المقاوم والمظلوم ينسجم مع ما أقدمت عليه قيادات دول الاعتلال العربي من تنازلات ومساومات وخيانات تخدم المخططات الإمبريالية والصهيونية من اغتصاب فلسطين في العام 1948 وحتى اليوم (ولا يتسع المجال لتعداد كل ما قصدناه من وقائع).

.. لماذا نستغرب من محمود عباس ما قام به الآن من تخاذل وجريمة وهو «مهندس اتفاقات أوسلو»، وهو أحد أهم المطالبين بإلغاء قرار الأمم المتحدة الذي يصف الصهيونية بأنها حركة عنصرية؟ أليست حكومته المزعومة هي من تجاهل قرار محكمة العدل الدولية ببطلان إقامة جدار الفصل العنصري، وهي التي قبلت مؤامرة التنسيق الأمني بين الكيان الصهيوني وأجهزة أمن السلطة ضد المقاومة؟ ثم ألم تسكت هذه السلطة عن جريمة اغتيال الرئيس عرفات؟.

ألم يتفاخر وزير خارجية العدو أفيغدور ليبرمان في تصريحه لجريدة «جيروزالم بوست» يوم 25/9/2009 بأن «محمود عباس لا يستطيع أن يفرض علينا أية شروط لأنه هو من ضغط علينا لاستمرار الحرب في غزة وإسقاط حماس وهناك تسجيلات بهذا الصدد». كما أن سلطة عباس رضخت للتهديدات الإسرائيلية بحرمانها من إقامة عقد شركة اتصالات خليوية تخص ابن محمود عباس رجل الأعمال الشهير في الضفة الغربية.

.. من هنا نلاحظ أن السلطة في رام الله تستقوي على شعبها بالاحتلال ولا تقيم وزناً للبطولات الأسطورية التي اجترحها- وما يزال- الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال. فالمقاومة الفلسطينية كغيرها من المقاومات العربية في لبنان والعراق لا تطلب من السلطة في رام الله ولا من الحكام العرب جهاداً بالحرب، بل عدم التآمر عليها وابتلاع ألسنتهم ووقف التحريض ضدها سياسياً، خصوصاً بعدما أصبح النظام الرسمي العربي معنياً فقط بـ«ترويض الحكومة» وتقديم مبادرات وتنازلات حتى يتأمن بقاء قادة دول الاعتلال في عروشهم.

بعد انتصارات المقاومة في حربي تموز وغزة لم يعد الكيان الصهيوني قادراً على ابتلاع غزة ولا تكرار نكبة 1948 وترحيل الشعب الفلسطيني أو على احتلال جنوب لبنان فما بالك بضرب سورية وإيران؟... ولكن الطغمة العسكرية الصهيونية وحليفتها الإمبريالية الأمريكية ستحاولان الإعداد لحروب عدوانية جديدة في المنطقة ليس فقط لاستعادة هيبة الردع الإسرائيلية والتي أطيح بها على أيدي المقاومة الباسلة في لبنان وفلسطين، بل من أجل استكمال المخطط الإمبريالي الصهيوني الشامل تجاه المنطقة.

.. إن وطنية أي حزب وأية قوة سياسية عربية تقاس بالموقف وليس فقط باستنكار الفضائح السياسية للسلطة في رام الله (وآخرها الموقف من تقرير غولدستون)، بل بموقف وطني واضح ملموس ومقاوم لجرائم الكيان الصهيوني منذ دير ياسين وكفر قاسم وقانا وصولاً إلى داعل وبحر البقر وقتل الجنود الأسرى المصريين وجنين وغزة وتصفية السجناء وتعذيب الأسرى، وأكبر تلك الجرائم تهويد الأرض واستمرار الاحتلال.

إن ما راكمته المقاومة من بطولات وصمود وانتصارات في لبنان وفلسطين والعراق هو ما يخيف الكيان الصهيوني، وهو ما يجب أن يرفع من الشروط السياسية للعرب في مواجهة التحالف الإمبريالي- الصهيوني. ففي الوقت الذي تزداد الخشية لدى قادة الكيان الصهيوني من الملاحقات القضائية الدولية للساسة والقادة العسكريين بتهم ارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين، يجب التمسك أكثر من أي وقت مضى بخيار المقاومة الشاملة وهو الكفيل ليس فقط بتحرير الأراضي المحتلة في العام 1967، بل بتحرير الأراضي التي تضمنها قرار الأمم المتحدة رقم 181 كحد أدنى، ولا يستكبرن أحد هذا الطرح لأن بوادر الفعل الثوري والمد الشعبي وثبات المقاومات الوطنية- الشعبية في العالم يهدد ركائز الإمبراطورية الأمريكية من أمريكا اللاتينية حتى أفغانستان وهذا ما سيجعل إمكانية الانتصار النهائي على الكيان الصهيوني أمراً واقعياً رغم ادعاء البعض باستحالته.