النَّوَسان في  «حافة الهاوية»..!

النَّوَسان في «حافة الهاوية»..!

تشكل عودة بعض الأوساط الأمريكية لـ«القعقعة» النووية في مواجهة روسيا والصين، وللحديث عن العسكرة و«الخيارات العسكرية» و«الخطط-ب» في «حل» الأزمات العالمية المختلفة، بما فيها الأزمة السورية، عودة إلى خيار سياسة «حافة الهاوية» التي يحفل بها تاريخ الدبلوماسية الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في أكثر من حالة دولية، وهي السياسة التي تعكس في جوهرها الحقيقي صراعاً أمريكياً داخلياً بين نهجين عند الأزمات، أحدهما «حربجي» مباشر، وثانيهما من يستفيد من الأول كفزّاعة دون تبني خياراته كاملة بالضرورة، بما يهدد في الحالات كلها بخطر الانزلاق إلى الهاوية فعلاً، مع منعكسات ذلك على السلم والأمن العالمي المهدد أصلاً، بحكم طبيعة البنية الرأسمالية السائدة ومتطلباتها.

 

 

الجديد اليوم هو أن هذا الصراع الأمريكي الداخلي المستمر ظهر للعلن مؤخراً، عبر التصريحات والتسريبات الأمريكية المختلفة التي تقر بوجوده صراحة، والجديد أيضاً هو أن «حافة الهاوية» التي تلجأ لها أطراف في واشنطن أحياناً، على أمل تحقيق مكاسب ما، كانت تجري في حالة الصعود الأمريكي، ولكنها الآن تمضي في حالة الهبوط، وربما هذا ما يسهم في ظهور الصراع على الملأ، ضمن تقاذف للمسؤوليات وسط الأزمة الأمريكية الحادة على الصعد كافة، المالية، والاقتصادية، والسياسية، وحتى الاجتماعية مؤخراً.

غير أن المغامرة باعتماد سياسة حافة الهاوية ذاتها تتضمن موضوعياً وبنتيجة موازين القوى الذاتية لأجنحة الصراع الأمريكي الداخلي حالة من النَّوَسان، تارة باتجاه التصعيد الأمريكي العسكري المباشر، كما جرى ويجري بخصوص سورية واليمن مثلاً، وتارة باتجاه محاولات العودة إلى «جادة الصواب». 

وهنا يبرز الاتفاق الروسي- الأمريكي حول سورية، وتداعيات تعليق واشنطن العمل به ومحاولة التنصل منه أو تعديل بنوده، كمثال تطبيقي عن حالة التأرجح والنَّوَسان في سياسة حافة الهاوية، والتي يزيدها ويسرع وتيرتها وجود قوى دولية فعلية وفاعلة، مثل روسيا، التي لا تكل ولا تمل في تثمير جهودها لتثبيت خيارات القانون الدولي والقرارات الدولية بعيداً عن المشيئة والأمزجة والمصلحة الضيقة الأمريكية، بما يشير إلى أن «الأمريكي» لا ولن يستفيد ضمن مختلف المعطيات الواردة أعلاه من «حافة الهاوية».

بالملموس، وبعد العدوان الأمريكي على موقع للجيش السوري في دير الزور، وبعد اتخاذ مسألة ضرب القافلة الإنسانية في شمال حلب ذريعة ملتبسة لتعليق الاتفاق المذكور، وبعد المواجهات الدبلوماسية الحادة في مجلس الأمن وحرب الفيتوهات بين معسكري واشنطن وموسكو بخصوص مشاريع قرارات جديدة حول سورية، وبعد اضطرار «الروسي» للحديث الصريح والواثق عن دور الغرب في تقديم الدعم المباشر للإرهاب والإرهابيين، ها هو الأمريكي يعود «صاغراً» إلى «لوزان» في اجتماع تعلن موسكو غايتها منه بوضوح: استئناف العمل بنظام وقف الأعمال العدائية (جوهر الاتفاق الروسي- الأمريكي) عبر تطبيق القرارات الدولية الخاصة بتسوية الأزمة السورية بالوسائل السياسية، لا أكثر ولا أقل..! 

وهذا يتضمن حسب التصريحات الواضحة من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف «وقف العنف في سورية، ومحاربة الإرهابيين، وضمان الوصول الإنساني إلى السكان المحتاجين، وإطلاق عملية سياسية فوراً بمشاركة الأطياف السورية كافة ، بما في ذلك الحكومة والمعارضة برمتها، دون أية شروط مسبقة»، أي جملة المسار الذي اختطه الأزمة السورية منذ ثبوت عقم برامج «الحسم» و«الإسقاط» بامتداداتها الإقليمية والدولية، وما زالت تسير عليه باتجاه تثبيت هذا الحل رغم حالة التأرجح الأمريكي، التي تطال بالمناسبة حلفاء واشنطن التقليديين أيضاً، وتدفعهم موضوعياً للبحث عن خيارات بديلة، ستخدم الحل السوري في نهاية المطاف.

 

آخر تعديل على الأحد, 16 تشرين1/أكتوير 2016 13:41