الافتتاحية الإصلاح بين الممكن والضروري
ماتزال قضية الإصلاح تراوح في مكانها رغم تزايد المخاطر والضغوطات التي تجعل منها ضرورة لاتعلو عليها أية قضية أخرى، فعلى حلها الصحيح سيتوقف مصير البلاد، حلها من حيث المحتوى ومن حيث التوقيت.
وإذا كان المحتوى المطلوب من الإصلاح واضحاً بجوهره، إلا أن الأوضح الآن أن آجاله الزمنية لاتقل أهمية عن محتواه وتوجهه، فأي تأخير في السير على هذا الطريق سيجعل الإصلاح بحد ذاته بعد حين لامعنى له.
مما لاشك فيه أن الحلول الإصلاحية ليست وصفة سحرية بحد ذاتها، فهي تتطلب وقتاً للتنفيذ ووقتاً لظهور النتائج، وصولاً إلى إزالة أسباب عدم التوازن في الاقتصاد، وبؤر التوتر في المجتمع.
لذلك فإن التأخير في الإقلاع بالإصلاح الحقيقي بل جره في اتجاه خاطئ يعني حكماَ تأخيرا ًفي التنفيذ وتأخيرا ًللنتائج، فكم من الوقت متاح لنا في ظل تعقد الأوضاع العالمية والإقليمية؟ وهل يمكن أن نستمر في ترف إضاعة الوقت للبدء بتنفيذ برنامج الإصلاح الجذري الذي تطلبه الجماهير الشعبية؟
إن مايجري حتى الآن ليس إصلاحاً، وهو يدخل في أحسن الأحوال في إطار بعض الحلول التجريبية والمترددة التي تجري في الوقت الضائع انتظاراً لتبلور اتجاهات وحوامل الإصلاح المنشود ومنظومته، هذه المنظومة التي يجري حولها نقاش وأخذ ورد شديدان، ويدخل في أسوأ الأحوال في إطار التنفيذ الخجول للبرنامج الليبرالي الذي تطالب به قوى السوق الكبرى.
وما يسبب القلق والخوف المشروعين، هو أن هذا التأخير والانحراف عن المسار أحياناً إلى جانب مايسببه من تأخير لتعبئة وتجنيد قوى المجتمع ضمن استراتيجية مقاومة المشاريع الأمريكية ـ الصهيونية في المنطقة، يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف إلى استفحال المشاكل التي يجب أن يحلها الإصلاح نفسه، بحيث تصبح عصية على الحل، ولاتنفع معها الحلول المقترحة، لأن المشاكل المطلوب حلها من بطالة وفقر وقصور في النمو وجراء التأخير في معالجتها، ستنتقل من صف المشاكل المؤقتة إلى صف المشاكل المزمنة التي مآلها حتماً إلى أحد اتجاهين: إما أن تصبح سبباً لانهيار شامل بالتزامن مع ضغوط خارجية معينة، وإما أن تصبح سبباً لهزة عميقة ومؤلمة وتغيير جذري في منحى التطور العام، لايمكن الآن تقدير آفاقه ونتائجه وعواقبه.
يحاكم البعض الأمور على أساس أن مايجري هو الممكن، ومع الأسف فقد صيغت أهداف مشروع الخطة الخمسية العاشرة على أساس هذا المنطق، والممكن هنا هو الحل التوفيقي بين الطريق المسدود الذي وصلت إليه الأمور نتيجة لدور الدولة السابق الذي بتطويره للقوى المنتجة خلال فترة تاريخية معينة أنتج ظواهر خطيرة مثل النهب والفساد وعمّق الخلل في توزيع الدخل الوطني، وبين الضروري الذي يفرضه الواقع الموضوعي واستحقاقاته ضمن آجال زمنية محددة غير مفتوحة، والذي يُطلب منه حل المشاكل الجدية خلال آجال زمنية متوسطة المدى (5-7) سنوات في أسوأ الأحوال.
لذلك فإن هذا الممكن ، المطروح في الخطة الخمسية التي ستعرض للنقاش في مجلس الشعب، هو هروب من الضروري، وعدم إعطاء أية ضمانة حقيقية لتنفيذ الممكن المقترح، وخاصة أن نسب النمو المقترحة ستعتمد ليس على تعبئة موارد الدولة على حساب النهب والفساد، وإنما على تعبئة الموارد خارج قطاع الدولة وخارج البلاد، هذه الموارد التي لايمكن التحكم بها في ظل تعقد الظروف الإقليمية، أي أنها تبقى موارد افتراضية، لذلك تصبح كل الخطة افتراضية، وبما أن أهداف الخطة يجب أن تكون جزءاً لايتجزأ من استراتيجية المقاومة حفاظاً على الكيان الوطني والسيادة الوطنية، فهل يمكن أن نسمح بأن تصبح استراتيجية المقاومة، استراتيجية افتراضية؟ أم أنها الخيار الوحيد المفروض علينا والذي ارتضيناه دفاعاً عن كرامة الوطن والمواطن.