ملاحظات ومقترحات اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين على قانون الانتخابات في سورية

جاء مشروع قانون الانتخابات الجديد مطابقاً للقانون القديم، ولا يختلف عنه إلا بنقطة واحدة فقط، لا تأثير جدياً لها على محتوى القانون السابق، وإنما على آلية تنفيذه، حين نص بوضوح على نقل الإشراف للعملية الانتخابية من السلطة التنفيذية إلى السلطة القضائية، أضف إلى ذلك أنه تم تقسيم محافظة حلب إلى دائرتين هما مدينة حلب ومناطق محافظة حلب..

لعل وهذا هو أهم ما جاء في مشروع القانون الجديد.. ونبين فيما يلي ملاحظاتنا النهائية على هذا المشروع وذلك ضمن الاتجاهات الأربع ةالتالية:

أولاً: ملاحظات على شكل الانتخابات. ثانياً: ملاحظات على مضمونها السياسي. ثالثاً: أشكال الانتخاب التي استند إليها القانون. رابعاً: الاقتراحات. 

أولاً: ملاحظات على شكل الانتخابات

تنص المادة /3/ من مشروع قانون الانتخابات على التالي: «يجري الانتخاب بالاقتراع العام، والسري والمباشر، والمتساوي، ولكل ناخب صوت واحد».

فهل يتحقق هذا التساوي فعلياً من خلال اختلاف عدد الناخبين في كل محافظة واختلاف عدد المقاعد المخصصة طبقاً لعدد سكان هذه الدائرة أو تلك؟ فالمرشح الذي يترشح في دائرة عدد ناخبيها نصف مليون لا يتساوى مع مرشح آخر في دائرة عدد ناخبيها ثلاثة ملايين، كما أن الناخب في محافظة دمشق مثلاً، ينتخب عدداً مختلفاً عنه في محافظة اللاذقية، كما أن ما نصت عليه المادة الثالثة من مشروع قانون الانتخابات على أن «لكل ناخب صوت واحد» يتناقض وحق كل ناخب أن ينتخب أكثر من مرشح بل عدد من المرشحين حسب كل دائرة والمقاعد المخصصة لها.

وتنص المادة /36/ من مشروع قانون الانتخابات العامة على أن الانتخابات ستجري خلال يومين، وأن الصناديق ستبقى في عهدة قوى الأمن الداخلي لحراستها خلال الليل، وهذا يضع رجال الأمن الداخلي في موضع الشبهة، ويفتح المجال للمرشحين الخاسرين لأن يكيلوا التهم للنظام بالتزوير.

وورد في الفصل السابع من مشروع قانون الانتخابات العامة حول مسألة فرز الأصوات وإعلان النتائج في المادة /39/ ما يأتي:

«ب- إذا تبين أن عددها يزيد أو ينقص عن عدد الذين اقترعوا بأكثر من /%5/ يعد الانتخاب في هذا المركز لاغياً، ويعاد في اليوم التالي. وفي هذه الحالة يقتصر إعادة الانتخاب على الذين سبق لهم أن اقترعوا فيه.

إذا كانت الزيادة أقل من /%5/ يتلف من مغلفات الانتخاب بنسبة هذه الزيادة دون الإطلاع على مضمونها، وإذا كان النقص أقل من /%5/ من مجموع المقترعين فلا يؤخذ هذا النقص بالحسبان».

إن وجود فروق بين عدد المقترعين وعدد المغلفات في الصناديق يعني وجود عملية تلاعب وتزوير فيها، ويجب توجيه رؤساء الصناديق والموظفين الذين يساعدونهم في عملية الاقتراع بوجوب التطابق بين عدد المسجلين للاقتراع مع عدد المغلفات الموجودة في كل صندوق مع تحميلهم مسؤولية الاختلافات.

إن ما ورد من نصوص في مشروع هذا القانون حول التقسيم المقترح للدوائر وامتداد الانتخابات ليومين وشروط وطريقة فرز الأصوات فيه نقاط ضعف وعيوب عديدة فيما يخص شكل الانتخابات التي تحتاج فعلا إلى تعديلها. 

ثانياً: ملاحظات على المضمون السياسي

إن أي إصلاح ينظم الحياة السياسية ويسمح بتطور الحركة السياسية مع ضرورة إدماج الجماهير كي تشارك بدورها في هذه العملية الوطنية، لا بد له أن يستدرك أخطاء الماضي ويتجاوزها لبناء المستقبل، وخصوصاً في إطار الانتخابات إلى مجلس الشعب، والتي طالما شابها العديد من الشوائب، وإن استمرار القانون الجديد على نهج القانون الذي سن بعيد الاستقلال بقليل، أي قبل 60 عاماً تقريباً ستكون له نتائج وخيمة ومخاطر جمة على المجتمع السوري، خصوصاً بعد استفحال الأزمة التي تجابه السوريين حالياً، الأمر الذي يفرض علينا الإجابة على السؤالين التاليين بصورة جدية وعميقة ومسؤولة:

1 - هل يستطيع هذا المشروع لقانون الانتخابات إعادة الروح للحياة السياسية ويؤدي الدور المطلوب منه؟

2 - هل ستحقق الانتخابات إن تمت على أساس هذا المشروع، عودة الهدوء والأمن للبلد؟ إن جوهر الحياة السياسية يكمن في نهاية المطاف في قدرة الناس على اختيار ممثليهم عبر الهيئات التشريعية للتعبير عن مصالحهم، وإن إجراء الانتخابات القادمة على أساس نصوص هذا القانون يقود إلى التالي:

1 - إن تشكيل قوائم المرشحين في كل محافظة سيتم من جانب المتنفذين  في دوائر السلطة دون أية معايير محددة لهؤلاء المرشحين، بل من خلال صلاتهم بأجهزة السلطة ودرجتها، وخصوصاً أنه قد وصل إلى عضوية المجلس الحالي والمجالس السابقة عدد من النواب بالكاد باستطاعتهم أن يفكوا الحروف الهجائية إن لم يكونوا أميين فعلاً، وهذا ما يفضحهم أمام ناخبيهم بأنهم مدعومون من جانب هذا الجهاز أو ذاك من أجهزة السلطة، ولا نعتقد أن استمرار هذا الوضع مع القانون الجديد سيفيد أحداً، ولا حتى النظام نفسه. وهنا لا بد من التساؤل: ماذا قدم النواب الحاليون المعينون «عملياً» في مجلس الشعب خلال الأزمة التي تمر بها سورية حالياً؟ هنا يمكن القول إنهم كانوا عبئاً ثقيلاً، ولم يستطيعوا أن يشكلوا جمهوراً متحمسا لهم يأمرونه أو يوجّهونه فيطيعهم، وبدلاً من أن يساعدوا النظام وأجهزته تلطّوا خلفه، وخلف أجهزته الأمنية عملياً، ودفعوا الأمور في البلد إلى الاحتقان والغليان الذي نراه حالياً، وهم عاجزون عن تقديم أية مساعدة للنظام في هذه الأزمة.. نعم إنه سينتج مجلس شعب يكون نسخة طبق الأصل عن المجلس الحالي، لا حول ولا قوة شعبية حقيقية له، وبالتالي سيكون عاجزاً، وسيكون نوابه مثله عاجزين وغير قادرين على ممارسة أي دور فاعل لهم بين الجماهير.

2 - أفقد هذا الشكل المنافسة الحقيقية الصحية والشريفة بين الأحزاب لاجتذاب الجمهور، من خلال بذل الجهد لتمثيله بشكل أفضل وتحقيق مطالبه على أرض الواقع، ولو تطلب الأمر خوض النضالات في مواجهة الإجراءات والقرارات التي تضره، فالكلام يبقى كلاما بالنسبة للناس والمعيار بالنسبة لهم هو الفعل على الأرض، الذي يصبح على الأقل هو المقياس الوحيد للجدية في التوجهات وأساليب النضال من أجل تحقيقها، أضف إلى ذلك أن الحملات الانتخابية للمرشحين سواء كانوا حزبيين أم مستقلين، تغدو حملات شكلية لن تتفاعل معها الجماهير طالما أنهم مرشحو قائمة القوى المتنفذة، وهي التي ستفوز سواء أقام هذا المرشح أو ذاك الوارد في قائمة المتنفذين حملة انتخابية أم لم يقم بها.

3 - إن احتقان الشارع وامتعاض الجماهير سيزدادان نتيجة للعمليات التي سترافق العملية الانتخابية من تزوير وتلاعب واضح في النتائج من أجل إنجاح القائمة الموضوعة مسبقاً من جانب الجهات المتنفذة.

4 - إن الأزمة التي تمر بها سورية، والتي قد تؤدي إلى شحن العصبيات، ستضيع حقوق الفئات الأضعف.

5 - إن اعتماد هذا القانون سيفيد الأجهزة وتلك القوى التي تأقلمت وتكيفت معه من خلال دفع  الأموال الضخمة إلى قيادات مهمة في النظام كرشاوى لتحقيق مآربهم.

6 - إنه يدفع الناخبين إلى انتخاب ممثلين لهم لا يعرفون أغلبهم ولا يربط بينهم أي رابط إطلاقاً، وهذا سيفتح المجال الواسع لشراء الأصوات لمصلحة المرشحين المليئين مالياً (تجار وأرباب عمل كبار).

7 - إنه يغيب الحوار حول البرامج التي يجب أن يقدمها المرشحون في حملتهم، ويستبدله بتحالفات مصلحية بين المرشحين مفروضة بقوة المتنفذين الذين اختارهم للترشح.

8 - إنه يشعر جماهير الناخبين بالإحباط لأنهم لا يستطيعون اختيار ممثليهم الحقيقيين ويتشكل لديهم شعور بأنهم غير فاعلين في الحياة السياسية في المجتمع.

9 - إن إصرار المشرعين على إبقاء القانون الجديد على مبدأ الأكثرية دون الأخذ بمبدأ النسبية تحت ذريعة عدم وجود حياة حزبية واضحة المعالم في المجتمع السوري، أمر مردود عليهم، إذ أن وجود الأحزاب وتكونها مرهون بصحة وعافية الحياة السياسية، والتي ستفرض وجودها وتشكلها على أرض الواقع انتخابات حقيقية، وستساهم فعلاً في إنضاج الحياة السياسية الصحية في سورية.

-10 وأخيرا سيدفع الكثيرين من جمهور الناخبين إلى عدم المشاركة في عملية الاقتراع ومقاطعتها، مما يشكل خطراً اجتماعياً، خصوصاً في الأزمة القائمة حالياً، وسيدخل البلاد في أزمة أكبر لا يعرف كيف تخرج منها. 

ثالثاً: أشكال الانتخاب التي تبناها

المشروع الجديد

لقد أخذ القانون السوري بمبدأ الانتخاب العام، الذي يمنح جميع الناخبين المستوفين للشروط القانونية حق المشاركة في العملية الانتخابية، بحيث يشارك كل شخص أتم الثامنة عشرة من عمره، سواء كان ذكراً أم أنثى في انتخاب ممثليه لمجلس الشعب بشرط أن لا يكون محكوما بجناية ومسحوبة منه حقوقه المدنية، أي مشاركة كل المواطنين في العملية الانتخابية.

كما أخذ بمبدأ الدائرة الانتخابية، حيث تقسم فيه البلاد إلى عدد من الدوائر الانتخابية، واعتبار كل محافظة دائرة انتخابية، وتعطى كل دائرة عدداً معيناً من المقاعد يناسب عدد سكانها. ويجري التنافس في كل دائرة للفوز بهذه المقاعد، وذلك من خلال الانتخاب بالقائمة حيث يختار الناخب من بين المرشحين أكثر من نائب واحد ليمثله في البرلمان، وهذا يفرض وجود دائرة انتخابية كبيرة يمثلها عدد معين من النواب، وفي هذا الوضع من الأرجح أن أغلب الناخبين لا يعرفون المرشحين الذين وردت أسماؤهم في القائمة الانتخابية، فيحق للناخب في هذه الحال شطب اسم مرشح أو أكثر أو استبداله باسم آخر من بين المرشحين، ويكون الانتخاب في هذه الحالة يعتمد نظام التمثيل الأكثري.. حيث يقوم الناخبون في هذا النظام بالتصويت للمرشحين، سواء كانوا مستقلين أو ينتمون لأحزاب أو جماعات معينة، وبمقتضى هذا النظام يفوز المرشح الذي يحصل على أكثرية الأصوات المشاركة في الانتخاب في الدائرة الانتخابية الواحدة، حتى لو نال المرشحون الخاسرون بمجموعهم عدداً من أصوات الناخبين أكبر من الأعداد التي نالها المرشح الفائز. 

رابعاً: الاقتراحات

بعد هذه الملاحظات  حول شكل الانتخاب في القانون ومضمونه السياسي، نرى ضرورة إعادة النظر بمشروع القانون وإجراء تعديلات عليه، وذلك بالأخذ بأحد الاقتراحين التاليين:

1 -  أن تعتبر سورية دائرة انتخابية واحدة بالنسبة لانتخاب ممثلي السلطة التشريعية، واعتماد مبدأ النسبية في عملية الاقتراع على أساس القوائم واللوائح الانتخابية بمشاركة القوى والأحزاب السياسية، مما يؤدي عملياً إلى تفادي الوقوع في تلك المطبات السياسية التي تحدثنا عنها آنفاً، وخصوصاً أن اعتماد هذا المبدأ سينتج عنه نواب أقوياء شعبياً ومقبولون من جانب الجميع دون الحاجة إلى التزوير والتلاعب بالنتائج. 

إلى جانب ذلك ينشأ مجلس شورى ويختص بدراسة واقتراح ما يراه كفـيلاً بالحفاظ على دستورية القوانين ومراقبتها، ودعم الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، وحماية المقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا والحقوق والحريات والواجبات العامة. لذلك نرى ضرورة إحداث مجلس للشورى يتألف من مئة عضو يجري انتخابهم على أساس الدوائر الفردية.

حيث تقسم البلاد إلى مئة دائرة، ويجري انتخاب عضو واحد فقط عن كل دائرة.

2 -  يمكن الأخذ بمبدأ النظام المزدوج الأكثري والنسبي معاُ، حينئذ ينتخب ثلثا أعضاء المجلس التشريعي على أساس أن سورية دائرة انتخابية واحدة واعتماد مبدأ النسبية في عملية الاقتراع، أما الثلث الباقي فينتخب على أساس الدوائر الفردية واعتماد هذا النظام نفسه، ولكن بعكس النسبة فيما يخص انتخاب مجلس الشورى، حيث ينتخب ثلثا أعضائه على أساس الدوائر الفردية، والثلث الباقي على أساس أن سورية دائرة انتخابية واحدة.

إن الأخذ بأحد هذين الاقتراحين لا يكفي، بل لابد من تعديل بعض أحكام هذا القانون بما يخص التوجهات التالية:

1 - لا يجوز أن يُحدث في كل دائرة انتخابية أكثر من مئة مركز انتخاب، على أن لا يزيد عدد الصناديق عن ثلاثة في كل مركز، حيث إن وجود أكثر من هذا العدد كما هو في الانتخابات السابقة «14000 مركز تقريباً» سيعطي الفرصة فقط لأجهزة الدولة وقوى المال من أجل تغطية هذه الصناديق، وهذا يعني أن مرشحي الفئات الكادحة وذوي الدخل المحدود لن يتمكنوا من تغطية كل هذه الصناديق، وإن الإكثار من عدد الصناديق يعني التسهيل لقوى المال فقط بالنجاح على حساب مرشحي الكادحين.

2 - إن قضايا تمويل العملية الانتخابية، وخصوصاً الدعاية والإطعام والمواصلات  وغيرها... يجب أن تتم عبر النظام  المصرفي حصراً، وضمن سقوف محددة، حتى تستطيع اللجنة المشرفة على العملية الانتخابية من تحديد أن هذا المرشح أو ذاك، أو هذه القائمة أو تلك لم يتجاوز السقف المحدد له بالقانون، ولم يقم فعلا بشراء الأصوات، وهذا الأمر كان يتم سابقا، لذلك يجب منع  الصرف عبر الدفع النقدي الفوري، وإنما عبر شيكات مصرفية فقط تحت عقوبة الإخراج من العملية الانتخابية.

3 - إن الرافضين لمبدأ النسبية والمصرين على الأخذ بمبدأ الأكثرية إنما سيفيدون قوى جهاز الدولة والمال فقط، الذين تأقلموا واعتادوا على هذا القانون، أما في حال اعتماد مبدأ النسبية، فلا بد أيضاً من التفكير بالنسب التي يجب على كل قائمة  مشارة بالعملية الانتخابية أن  ينالها من حجم كتلة المصوتين حتى يستطيع أن يتمثل بالبرلمان، وهي على سبيل المثال في روسيا نسبة %5 من الأصوات، وفي تركيا 10 % ، وهذه القضية يجب ألا تغيب عن ذهن المشرع لمناقشتها ووضع أفضل النسب بما يتلاءم مع الواقع الحالي للأحزاب في سورية، ونرى بأن نسبة %3 نسبة مقبولة، وأن يتم توزيع المقاعد الباقية من القوائم التي لم تنل نسبة الحسم على الأحزاب الفائزة حسب النسبة التي نالتها كل قائمة في الانتخابات.

4 - حول مدة العملية الانتخابية الواردة في المشروع والمطابقة للقانون الحالي والتي تجري خلال يومين وحسما للريبة التي قد تقع في النفوس ويضع قوى الأمن  الداخلي في موضع الشبهة، ومنعاً لعمليات التزوير يجب أن تتم العملية الانتخابية وفرز الأصوات معاً في اليوم نفسه، أي تبدأ في الساعة السابعة صباحاً، وتنتهي عند الساعة السادسة مساءً مهما كانت نسبة المقترعين.

إن إقرار قانون عصري لانتخابات مجلس الشعب، وتمكين الشعب من انتخاب ممثليه دون ضغوط، وإعادة الروح للحياة السياسية على الساحة السورية.. كل ذلك سيؤدي سريعاً إلى تحصين منعة البلاد، وإعطاء دفعة قوية لدور سورية الممانع والمواجه للمخططات الصهيو أمريكية اعتماداً على جماهير الشعب، والتي وحدها القادرة على رفد الدور السوري بالقوة والمنعة والجبروت، وبكل الضرورات التي تمكن سورية من الاستمرار في الثبات على مواقفها الوطنية، والتي من خلالها فقط يمكن الحفاظ على كرامة الوطن وكرامة المواطن.

آخر تعديل على الأحد, 09 تشرين1/أكتوير 2016 21:37