آن الأوان لإطلاق سراح السلطة الرابعة من معتقلها
إن مجمل مشاريع القوانين التي صدرت مؤخراً،على موقع التشاركية،والتي طرحت للنقاش العام،وهي قانون الانتخابات وقانون الأحزاب والتعديلات على قانون المطبوعات،إنما تم إصدارها بهدف (مفترض) نبيل للغاية،هو إعادة الروح للحياة السياسية على الساحة السورية
والتي بقيت جامدة لفترات طويلة،مما أدى إلى نشوء جدار طويل ربما معنويا أطول من سور الصين العظيم،بين الأحزاب الفاعلة في المجتمع أيا كان موقعها،وبين جماهير الشعب،فأصبح كل يغني على ليلاه،وأصبحت ليلى ضائعة في متاهات مظلمة،فتاهت الأحزاب في التغني بها،وتاهت الجماهير في التعرف عليها،وبالتالي فإن مجرد صدور هذه القوانين،سيبقى قاصرا،إن لم تتوفر الإرادة ، التي يجب أن تتحول إلى ضرورة هادفة وبإصرار،من أجل وضع هذه القوانين على السكة الصحيحة،للوصول إلى الأهداف النبيلة،والتي تشكل حلاً حقيقياً لهذه المشاكل المتراكمة والمتجذرة في حياة الناس،والتي حولتها إلى كوابيس يومية أصبح التخلص منها غاية لا بد من تحقيقها مهما كان الثمن.
إن توفير البيئة الملائمة،التي تسمح للشعب السوري في أن يمارس وينخرط في الحياة السياسية،مهمة أساسية من مهام التشريع والمشرعين أولا،وهي كذلك مهمة أساسية للمسؤولين عن تنفيذها بكل حيادية وموضوعية ثانيا،وقبل كل ذلك هي مهمة القوى والأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية من خلال إبداء الآراء حول هذه المشاريع،للوصول إلى تمكين المجتمع من وضع وسن قوانين شفافة متمكنة وقادرة،على أن تنظم المجتمع بأحسن تنظيم ممكن.
وبعد أن وضعنا اقتراحاتنا على قانوني الانتخابات والأحزاب،فإننا سنشير بإيجاز ونبين ملاحظاتنا على التعديلات المقترح إجراؤها على قانون الإعلام،آخذين بعين الاعتبار،ملاحظاتنا السابقة على قانون المطبوعات،والتي وضعناها حين صدوره،مع ملاحظاتنا الجديدة على هذا القانون،وذلك ضمن الاتجاهات التالية:
أولا – إن الإجراءات الإدارية ذات الطابع البيروقراطي،التي تم اعتمادها من أجل الترخيص وإحداث وإصدار وتشغيل الوسيلة الإعلامية،تضع على كاهل صاحب المشروع (أفرادا أم أحزابا أم شخصيات اعتبارية)،أعباءً مالية ضخمة،لا قبل على احتمالها والقبول بها إلا للمليئين جدا فقط..
وعلى سبيل المثال،تنص المادة 61 على أنه تلتزم الوسيلة الالكترونية الإعلامية بالاحتفاظ بنسخة من المحتوى المكتوب والمسموع والبصري الذي ينشر فيها،وبنسخة من بيانات الحركة لمدة ثلاثة أشهر،ويمكن اختصار هذه المدة إلى 15 يوما فقط،و نصت المادة 36 على أنه بعد صدور الترخيص،يعلم الناشر المجلس اسم المدير المسؤول ورئيس التحرير،والمدير المسؤول هو الشخص الطبيعي الذي يعنيه النشر،ويمثل الوسيلة أمام الجهات الإدارية حيث يمكن إلغاء هذه الوظيفة،واعتبار رئيس التحرير مكلفاً بها،أما اشتراط أن يكون المدير المسؤول أو رئيس التحرير حائزاً على إجازة جامعية أو حاملاً بطاقة صحفية صادرة عن نقابة الصحفيين تثبت ممارسته لمهنته أكثر من 6 سنوات،فهذا اشتراط غير ضروري أيضا حيث يوجد الكثيرون من الصحفيين الذين يعملون لأكثر من المدة المطلوبة،وغير حاملين للبطاقة الصحفية الصادرة عن نقابة الصحفيين،لذلك يجب توفر المرونة في هذا الموضوع،والاقتصار على إثبات يقدمه المدير أو رئيس التحرير،بأنه قام بعمله لهذه الفترة في هذه النشرة أو تلك،دون أن يكون منتسبا للنقابة،وعدم اشتراط الشهادة الجامعية لذلك،حيث يوجد الكثير من الصحفيين المهمين والموهوبين غير حاصلين على الشهادة الجامعية أصلا،أضف إلى ذلك ما جاء في المواد من المادة 65 إلى المادة 82 والغرامات التي تفرض على مخالفة أحكام هذا القانون،والتي تبدأ بمبلغ أقله 25000 ل.س،لتصل إلى 2 مليون ل.س،وهي مبالغ ضخمة فيها الكثير من المبالغة التي توجب إعادة النظر فيها وتخفيضها إلى النصف على الأقل.
ثانيا - حددت المادة،41 على أنه حق تقديم طلب الترخيص لإحداث أو استثمار شبكات،لبث خدمات الاتصال السمعي أو البصري أو كليهما معا،على الأشخاص الاعتبارية فقط دون الأفراد،لذلك نرى ضرورة السماح للأفراد أيضا بحق تقديم الطلب،وتنص المادة 46 على أنه يحق لمن رفض طلبه،أن يلجأ إلى محكمة القضاء الإداري للنظر في منح الرخصة أو رفضها،وباعتبار أن محكمة القضاء الإداري محكمة تنفيذية،لذلك نرى استبدالها بالمحكمة الدستورية العليا،كون حق التعبير والنشر حقاً دستورياً مصوناً بقوة الدستور،وتنص المادة 49،على أنه في كل الأحوال،فان اللغة التي تستخدم في البث لأي من الخدمتين تكون باللغة العربية،مع إمكانية بث اللغات الحية بنسبة %20 ،ولكن في سورية قوميات أخرى، فالقومية الكردية هي القومية الثانية فيها بعد القومية العربية، أضف لذلك وجود أقليات أخرى كالأرمن والشركس والتركمان والسريان والآشوريين ويجب اعتبار لغات هذه القوميات من اللغات الحية أيضا،والسماح لها بالبث بلغتها الخاصة بها،مع عدم تحديد نسبة البث كما تنص هذه المادة،علما أنه في لبنان الشقيق تخصص بعض القنوات الفضائية،مدة للبث فيها باللغة الارمنية،كما أن الكثير من المواطنين السوريين ومن أقليات مختلفة،تضطر إلى مشاهدة تلك القنوات،التي تبث بلغتها من الخارج،وهو ما يجب تلافيه في متن هذا القانون،كما أنه يتوجب على الوسيلة المرخص لها،ان تبدأ الخدمة خلال سنة من تاريخ الترخيص،ويكون الترخيص لاغيا تلقائيا بعد مضي هذه المدة،إذا لم يبدأ البث والنشر،ونرى ضرورة لأن تمتد المدة إلى ثلاث سنوات،إن كانت أسباب عدم البث خارجة عن إرادة الناشر،خصوصا إذا كانت إدارية ذات طابع حكومي.
ثالثا – إن صيانة الصحفيين وتمكينهم من أداء عملهم،حق مصان ليس فقط بقوة هذا القانون،بل بقوة الدستور أيضا،وهو بيت القصيد،لهذا فإن ما نصت عليه المادة 83،على أن الجرائم المرتكبة بواسطة الوسائل الإعلامية،على اختلاف أنواعها،التي لم ينص عليها في هذا القانون،يعاقب عليها وفقاً لأحكام قانون العقوبات،والقوانين النافذة،ونرى في هذا المجال ضرورة حصر الجرائم المرتكبة بواسطة الوسائل الإعلامية على اختلاف أنواعها،بالنص عليها في هذا القانون وعدم ترحيلها إلى قانون العقوبات العام،حيث لا يجوز أن يحاكم الصحفي على عمل قام به،قد يشكل مخالفة أو جريمة يعاقب مرتكبها بموجب قانون العقوبات العام،فقط لأنه صحفي ، ذلك أن مهمة الصحافة هي الحصول على الخبر والمعلومة الصحفية ، والوصول من خلالها إلى الحقيقة،فيجب ألا يحاكم من أراد الوصول إلى الحقيقة لنشرها بين الناس،مهما كانت الأسباب الموجبة لذلك،خصوصا وإن المادة 7 من هذا القانون،تنص على أن حرية الإعلامي مصانة في القانون، ولا يجوز أن تكون المعلومة والرأي الذي ينشره،أو يبثّه الإعلامي سبباً في المساس بأمنه وحريته.
أخيرا لابد من الإشارة،إلى أن صدور هذا القانون،بعد أجراء التعديلات الضرورية،سيساهم بتفعيل الحياة السياسية،وإطلاق الصحافة الحرة من معتقلها،ومنحها القوة لتكون فعلا «صاحبة الجلالة» السلطة الرابعة،والتي يقع على عاتقها نشر الحقائق ومراقبة عمل السلطات الأخرى،على أساس المبدأين الأساسيين في الدولة،مبدأ سيادة القانون ومبدأ الفصل بين السلطات،الذي لا تستقيم الدولة الحديثة بدونهما،فإذا كان نشوء الدولة بمثابة عقد اجتماعي بين سلطات الدولة وبين الشعب،فإن إطلاق الحريات العامة،هو محتوى هذا العقد بما يؤدي إلى الحفاظ على الوطن وعلى كرامة الموطن.