النائب العام.. يروى أن...
كتبُ القانون وشروحها لطالما تحدثت عن الضابطة العدلية وموظفيها، والتي يقوم – وفق ما نص عليه قانون أصول المحاكمات الجزائية السوري - بوظائفها النائب العام ووكلاؤه ومعاونوه، من..
محافظون، وقائم مقامون، مديرو النواحي، قائد الشرطة ومديروها، مدير الأمن العام، ضباط الشرطة والأمن، رؤساء الدوائر الأمنية والشعب والمخافر، ضباط الدرك على اختلاف رتبهم.. وغيرهم..
ويروى أن النائب العام هو رئيس الضابطة العدلية في منطقته، ويخضع لمراقبته جميع موظفي الضابطة العدلية.
يروى أن النائب العام يراقب سير العدالة، ويشرف على الدوائر القضائية والسجون ودور التوقيف..
يروى أنه إذا توانى موظفو الضابطة العدلية عن مهامهم فإن النائب العام يوجه إليهم تنبيهاً، ويقترح ما يقتضيه الحال من التدابير التأديبية..
يروى أن كل تلك الروايات محفوظة في جنبات القانون، وهي تنعكس على أرض الواقع المعاش جلية..
فقد روى لي من أثق به عن حادثة ضرب وتعذيب وقعت في أحد أقسام الشرطة، رفض النائب العام اتخاذ أي إجراء – اللهم إلا الاتصال برئيس القسم والاستفسار عن الموضوع – رغم تقديم شكوى رسمية بذلك من المحامي الوكيل!.
روى المحامي أن النائب العام لم يقم من مكتبه مرة ليتفقد حال دور التوقيف في الأقسام والأفرع الأمنية، ومن هم هؤلاء المتواجدون فيها؟ ولماذا؟ ومنذ متى؟!
روى الشاهد أن دورية للأمن اقتحمت محكمة النبك منذ مدة، مفتشين وباحثين وعايثين، وأن النائب العام لم يقم بأي إجراء، اللهم إلا كتابة ضبط بالحادثة، وحفظه بالأدراج!.
روى القاضي أن عنصر الأمن مر ناحيته لا لشيء، بل ليسأله عدة أسئلة عن نفسه وزوجته وأبنائه وبقية أهل بيته وقرابته فحسب، فيما يسمى عندهم الدراسة الأمنية..
روى القاضي أن الأمن اقتنصه اقتناصاً بعد خروجه من المحكمة بهنيهة، للتحقيق بفساده، بسبب تقديم عدة شكاوى بحقه، وأن الأمن لا بد أن يعيد الحق إلى نصابه، وأن يقتص للمواطن من القاضي وفق القانون الأمني..
روى القاضي أن عنصراً للأمن أنزله من سيارته عند أحد الحواجز المنتشرة بكثرة في الطرقات، لتفتيش سيارته، والتأكد من أن القاضي ليس مندساً، وحين عبر القاضي عن حنقه، هزئ العنصر قائلاً: إن لم يكن التفتيش كافياً قد نعيده!.
روى قاضي النيابة أن مدير منطقة الزبداني يعتبر نفسه النائب العام في المنطقة، بل لا أدري كيف فهم مرة أنه رئيس الضابطة العدلية وأن النائب العام يتبع له!.
لكن.. سيروى يوماً أن النائب العام قام بجولة تفقدية إلى فرع فلسطين، زار فيها الزنزانات، وتفقد حال المواقيف، وراجع السجلات، وأحال الضبوط، وأمر بحسن المعاملة، ونبه بعض الضباط إلى مخالفاتهم السابقة، وأمر بتداركها، واقترح بعض التدابير التأديبية بحق المسيئين منهم!!.
وسيروى أيضاً أن النائب العام سيمارس دوره الحقيقي القانوني، وسيبسط سلطانه على جميع موظفي الضابطة العدلية وجميع المكلفين بمهامها، وسيتبع له – بدل أن يتبع لهم – جميع عناصر الأمن وجبابرته، وسينصاعون لأوامره فيما فرضه عليهم القانون!.
أما ما تذكره كتب قواعد الروايات فغريب.. فلفظة (يروى) للمجهول.. ضعيفة، ولفظة (روى) للمعلوم.. صحيحة، أما لفظة (سيروى) فهي لا شك لا تعني إلا الأمل!
أملنا معقود اليوم في سورية الجديدة، سورية القانون، سورية المؤسسات، سورية السلطات المستقلة، أن يمارس القضاء كامل سلطته، وأن يتمتع بكامل استقلاله، وأن ينصاع له كل من أمرهم القانون بالانصياع له...