اللقاء التشاوري.. مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة..
لم تختلف ردود الأفعال على الصياغة الأولى للبيان الختامي التي طرحت على المشاركين في اللقاء التشاوري في يومه الثاني إلا في حدّتها، فبين «محبط»، و«مخيب للآمال»، و«لا يرتقي لمطالب الشارع».. توزع المشاركون يعارضون إصدار البيان، وهو ما دفع لتمديد اللقاء يوماً ثالثاً أثمر عن بيان «نوعي» لاقى استحساناً واسعاً حتى في أوساط الحراك خارج قاعة اللقاء.
كان البيان الختامي بصياغته الأولى عاماً أكثر من كونه محدداً، واستند لسقف أدنى من الذي شهدته الجلسة الافتتاحية التي تم نقلها مباشرةً على الهواء، كما جاء دون إشارات زمنية أو تلميحات لعمق الأزمة الموجودة.. وقد بدأ المفكر تيزيني بالاعتراض رافضاً عدم إشراك الجميع في الصياغة، ومعتبراً سقف البيان منخفضاً، بينما اعتبر د. قدري جميل أن البيان «لا يعكس زخم النقاشات»، ودعا عضو مجلس الشعب السابق محمد حبش بدوره إلى «ضرورة الإعلان عن تشكيل مجلس أعلى لحقوق الإنسان»، على حين رأى المؤرخ سامي مبيض أن البيان «محبط»، واعتبر رجل الأعمال عبد السلام هيكل أن الصياغة مخيبة للآمال، ووحده د. عمار بكداش وافق عليه مثلما جاء دون اعتراض!!.
أما نائب رئيس الجمهورية فاروق الشرع فدافع عن «روح» النص، مشيراً إلى إمكانية إعادة صياغته بطريقة أخرى، داعياً إلى تشكيل لجنة من الموجودين لإعادة صياغة البيان على أن تتم مناقشة نصه في جلسة إضافية تعقد في اليوم التالي صباحاً، وتكون بمثابة جلسة ختامية..
هذه بعض المفاصل الهامة التي حفل بها اللقاء التشاوري الذي عُقد بين العاشر والثاني عشر من الشهر الجاري.. أما البداية فجاءت كما تابع جلستها الأولى الملايين على الشاشات المحلية وغير المحلية، معتمدة أسلوب رفع السقوف الذي ساهم وفد اللجنة الوطنية المكون من الرفيقين د. قدري جميل، وحمزة منذر في العمل عليه بصورة جدية..
إذاً، افتتحت أعمال اللقاء التشاوري في 10/7/2011 بمشاركة شخصيات من مختلف أطياف الشعب السوري، تمثل قوى سياسية حزبية ومستقلة ومعارضة وأكاديميين وناشطين شباباً، وتميزت الجلسة الأولى بارتفاع سقف الطروحات وبروز انسجام لا بأس به بين معظم المشاركين على أن مصلحة سورية الوطن والمواطن تأتي أولاً، وأنه لا سبيل للخروج من الأزمة التي تمر بها سورية إلا بالحوار الوطني الجاد والشامل.
أما جلسة اليوم الثاني (الاثنين) فقد شهدت الكثير من اللغط حول ما يجب أن يخرج به اللقاء فاعتبر البعض أن هذا اللقاء ليس من مهامه إصدار قرارات بل توصيات عامة وملاحظات ومداخلات ترفع إلى الجهات العليا تمهيداً لإدراجها في مؤتمر الحوار القادم، في حين رأى آخرون أن اللقاء سيخرج بقرارات محددة، ما استدعى تدخلاً لرئيس الهيئة فاروق الشرع ليشرح مهام هذا اللقاء وما يجب أن يخرج به، وكذلك أكد عدد من المشاركين أن على اللقاء أن يكتفي بالكلمات التي تم تسجيلها وبثها وتوثيقها ولا حاجة لبيان ختامي وطالبوا بإعلان نهاية اللقاء، وهو ما لم يتحقق لأن اللقاء مدّد بغية إصدار البيان الختامي الذي مثّل إلى حد بعيد سقفاً جديداً أكثر ارتفاعاً للحوار الوطني المرتقب.
وكذلك شهدت جلسات اليوم الثاني من اللقاء جدلاً بين المشاركين حول المادة الثامنة من الدستور التي تنص على أن حزب البعث هو الحزب القائد للدولة والمجتمع، فبينما اعتبر المفكر طيب تيزيني أن المادة الثامنة هي مادة التميز الأبدي وهذا مخالف لطابع الأشياء لشعب يقر بأنه قائم على التعددية، عارض البعثيون إلغاء هذه المادة، ورأوا في المطالبة بذلك محاولات لـ«اجتثاث البعث»، مشددين على أنه «لا يمكن أن نسمح بالتنازل عن مكاسبنا خلال العقود الماضية».
بدوره «قرّع» الشرع أحد البعثيين الذي استخدم تعبير «اجتثاث البعث» واضعاً هذا التعبير على غير وجه حق برسم المعارضين، وأسكته، معتبراً أن ذكره «يكرّس تداوله».
وشهدت جلسة اليوم الثاني أيضاً اقتراح تشكيل لجنة من اللقاء قوامها من الشباب للتواصل مع المجتمع وحركة الشارع لتهيئة الظروف والآليات لتمثيلهم في مؤتمر وطني شامل، كما تمت الدعوة لترؤس إحدى الشابات جلسة من جلسات اللقاء وهو ما جرى للشابة هبة بيطار.
كما اقترحت لجنة مشكّلة من د.قدري جميل والمحامي إبراهيم دراجي ورجل الأعمال عبد السلام هيكل تهدف للتحضير لمؤتمر حوار وطني شامل، واقترح جميل «الاتفاق هنا على أن المطلوب هو دستور جديد للبلاد تتم صياغته بالطرق المناسبة من جهات صاحبة العلاقة وأن يعرض على استفتاء عام في البلاد و تشكل لجنة من المؤتمر هنا قوامها من الشباب للتواصل مع المجتمع وحركة الشارع لتهيئة الظروف والآليات لتمثيلهم في مؤتمر وطني شامل إن أردنا أن يكون المؤتمر مؤتمراً حقيقياً».
أما في اليوم الثالث من اللقاء فشهد صدور البيان الذي حصل على موافقة الأكثرية الغالبة، واقتصر النقاش في الجلسة الأخيرة على اقتراح تعديلات في الصياغة أو اللغة وبعض الملاحظات القانونية في النص، على حين كان الاقتراح الوحيد الذي أخذ به هو اقتراح نائب الرئيس فاروق الشرع بنص أكثر وضوحاً تجاه توجه الدولة في المسألة الدستورية، مشيراً إلى أن تعديل المادة الثامنة منه سيقود لتعديلات أخرى مقترحاً إجراء مراجعة دستورية نحو نص جديد، وذلك بعد أن كانت الأولى أكثر عمومية ولا تشير إلى هذا المضمون، وهو ما انتهى إلى تصفيق الحضور، دون واحد دافع عن المادة الثامنة ومكانتها الحزبية والدستورية، ما قاد الشرع إلى القول إن ثمة «فارقاً بين من يريد إنجاح هذا الحوار وبين من يريد إفشاله».