«الداخلي» و«الخارجي» في الأزمة مجدداً..!
بين عشية العاشر من أيلول تاريخ الإعلان عن الاتفاق الروسي الأمريكي وجلسة مجلس الأمن الخاصة بسورية بتاريخ الحادي والعشرين منه برزت أسئلة كبرى بالعمق وتبدو مبهمة حول دلالات العبث الأمريكي بارتباطها بالأزمة السورية..!
فلماذا وقع الأمريكيون الاتفاق إذا لم يكونوا يريدون الالتزام به؟ ولماذا اعتدت وزارة الحرب الأمريكية على قطعة عسكرية للجيش السوري؟ ولماذا تم استهداف قافة الإغاثة إلى ريف حلب؟
لقد بات واضحاً أن الإدارة الأمريكية ذهبت لتوقيع الاتفاق تحت الضغط الروسي، وهو ما أبرز حجم التناقض والتخبط والتعنت داخل أجنحة هذه الإدارة على وقع الأزمة الرأسمالية الشاملة، مالياً اقتصادياً وسياسياً اجتماعياً وعسكرياً، التي يعاني منها المركز الإمبريالي الأمريكي (أحدث دليل استمرار تردي المؤشرات الاقتصادية وتفاقم الأوضاع الأمنية في أكثر من ولاية أمريكية). وقد انعكس ذلك في فضيحة استهداف الجيش السوري مباشرة من طائرات التحالف الذي تقوده «البنتاغون»، وهي الفضيحة/ الجريمة التي جرى التعمية عنها بجريمة أخرى تمثلت باستهداف قافلة المساعدات الحلبية، والتي تحولت إلى مادة سجال رئيسية في جلسة مجلس الأمن المذكورة، حاول الأمريكي من خلالها اتخاذها ذريعة للتنصل من الاتفاق أو فرض شروط جديدة عليه، مع كل ما رافق ذلك من استعراض إعلامي أمريكي لتغطية ملامح العجز السياسي والدبلوماسي والعسكري ذي العواقب الداخلية الأمريكية الوخيمة أمام موازين القوى العالمية الجديدة المتشكلة. ويتبدى هذا يوماً إثر آخر في المشهد الدولي، بما فيه السوري.
من جانب آخر، وعلى الرغم من حقيقة تداخل وتشابك العوامل الدولية والإقليمية في الأزمة السورية بحكم أن انفجارها تزامن مع بدء التحول في ميزان القوى الدولي، إلا أن ما يفترض أن يهم النخب الوطنية السورية، ويرتّب عليها مسؤوليات مضاعفة، هو حقيقة أن الأزمة كانت ولا تزال سوريةً بالأساس، من خلال استحالة استمرار بنية مأزومة سياسياً واقتصادياً اجتماعياً على خلفية مستوى حريات سياسية منخفضة للغاية مع استشراء الفساد وزيادة تمركز الثروة وانعدام العدالة الاجتماعية بما يعنيه من ضعف نسب النمو الاقتصادي وسوء عملية التنمية الشاملة وتراجع الدولة عن دورها الاجتماعي بحكم متطلبات سياسات وشروط لاقتصاد الليبرالي مع منعكساتها التهميشية لبنى المجتمع قاطبة وتحويلها إلى حطب في الصراع، بما يتناقض أساساً مع الوظيفة المفترضة لسورية بحكم موقعها الجغرافي ووجود العدو الصهيوني على حدودها، وبما شكل أرضية للانفجار، وسيشكل فتيلاً لأي انفجار لاحق أكثر سوءاً، بعد حل الأزمة، ما لم يجر إدراك هذه الوقائع وتداركها. ولكن يبقى على النخب السورية أن تستفيد من التغير الجاري في ميزان القوى الدولي لحل الأزمة وقطع الطريق على مختلف المتشددين الذي يقتاتون على الدور الأمريكي المأزوم، تشبثاً واهماً به وبلا طائل، أم هجوماً عليه واتخاذه ذريعة للرفض والعرقلة.
ففي نهاية المطاف، ستذهب الأزمة السورية، وعلى المدى المنظور جداً، للحل السياسي، ولن يكون بمقدور «الفريق الأمريكي»، في الداخل والإقليم والعالم، الإعاقة إلى ما لا نهاية، وعلى النخب السورية أن تدرك أنه مهما تشابكت وتعقدت الخيوط الإقليمية والدولية للمشهد السوري المتأزم، فإن الحفاظ على سورية كجغرافية سياسية، واحدة وموحدة وسيدة ومستقلة ومزدهرة وعادلة وقادرة على تحرير المحتل والسليب من أرضها، أي إحداث التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والعميق والشامل على الصعد كافة، لصياغة مستقبلها المنسجم مع دورها الإقليمي الفعّال هي مهمة السوريين، ولا يفترض بتلك النخب أن تقبل بغير ذلك.