الشيوعية والأحزاب الشيوعية «1»
الشيوعية هي منظور ثقافي ـ سياسي ـ نضالي، مرجعيتها، كما هو معلوم كارل ماركس وفريدريك أنجلز، ثم فلاديمير إيليتش، ومرجعيتها أيضاً هي النضال التاريخي للطبقة العاملة،
بدءاً من نضال «غير أصحاب السراويل les sans- culottes» (اللقب الآخر، الذي كانت تطلقه الارستقراطية الفرنسية على الطبقة العاملة في الثورة الفرنسية الثانية، ثم نضال «المتساوين les egaux» ضد حكومة الديركتوار Directoire الفرنسية، التي غدرت بالنظام الثوري الفرنسي في 1794، وسحقت «المتساوين» بمجزرة ضخمة، وأعدمت قائدهم بابيف، ثم ثورة الطبقة العاملة الفرنسية في أربعينات القرن التاسع عشر، أيام الملك الفرنسي لويس ـ فيليب، وإجبارها الملك على التنازل عن العرش، وأيضاً في إيطاليا والنمسا؛ ثم نضال رابطة الشيوعيين communist league، التي بدأت باسم رابطة العادلين The league of the osust ودعت كارل ماركس لعضويتها، فكتب من أجلها مع فريدريك انجلز البيان الشيوعي في 1848؛ ثم نضال الأممية الأولى، التي تأسست في 1864 وانفرطت بعد ما بلغ عدد أعضائها الألوف، بفعل اتحاد العمال البريطاني، الذي تحالف مع الحزب اللبرالي البريطاني، وبفعل الروسي باكونين، الذي كان له حساب شخصي مع ماركس ونظم حملة ضده في الأممية؛ ونضال كومونة باريس في 1870، التي سجلت أول نجاح مؤقت في التاريخ للعمال، حيث أقام الثوار الفرنسيون حكومة أو (كومونة باريس)؛ ثم النضالات في مختلف بلدان أوربا، حتى قيام الأممية الثانية، التي كانت تؤلف إطاراً للأحزاب والنقابات العمالية الأوربية بالدرجة الأولى، ومن الجملة الحزب الديمقراطي ـ الاجتماعي ـ الثوري الروسي، الذي قاد جناحه البلشفي ثورة أكتوبر 1917 في روسيا القيصرية، الأولى في التاريخ، التي بنت الاشتراكية العلمية.
التحولات التاريخية، التي مرت، ومازالت تمر على الشيوعية خلطت مختلف الأوراق في مناهجها، حتى بالنسبة لمرجعياتها الأساسية. ماركس نفسه تطور فكره باستمرار من خلال نضاله وتجاربه الحياتية.
طبعاً ثمة ثوابت ماركسية يمكن اعتبارها الأساس بالنسبة للشيوعية، والتي تتميز عن مناضلين عماليين آخرين، مروا في تاريخ أوربا، وفي تاريخ الأمميتين الأولى والثانية. وربما من المفيد استعراض الثوابت أو بعضها بإيجاز.
ـ الطبقة العاملة هي التي يفرزها التطور الرأسمالي ويسحقها، فتتصف بكونها:
ـ ذرات إنسانية تتحول تاريخياً إلى مشردة من الروابط الاجتماعية السابقة للرأسمالية، من الطائفة والعائلة، بمعنى العشيرة، والوطن، ولاصقة بالآلة.
ـ تنشئ تاريخياً أيضاً، رابطة يبنيها العمل بين العمال، فالعمال مع بعضهم هم الرابطة الجديدة.
ـ مضطهدة من الرأسمالي ووكلائه في المعمل.
ـ مستغلة، فأجورها هي أضعف بما لا يقاس من حصتها في الإنتاج، ففضل القيمة يوزع على الطبقة الرأسمالية بمجموعتها أي على الرأسماليين المباشرين، وعلى المرتبطين معهم في شبكتي التصريف والإنتاج الاجتماعيتين، أي على الموردين لمختلف المواد الأولية أو نصف المصنعة، وعلى مختلف من يساهمون في تصريف المنتجات؛ فليس فضل القيمة هو ربح الرأسمالي المباشر، كما يخيل أو كما يضلل به: الربح هو جزء، وجزء زهيد، من فضل القيمة، الذي يؤلف حجمه مدى الاستغلال الاجتماعي.
ـ تتعلم (أي الطبقة العاملة) من خلال التصاقها بالآلة وبتنظيم العمل، كيف تنتج، وكيف تدير الإنتاج؛ وبذلك تتعلم تاريخياً كيف تستغني عن الرأسمالي.
ـ تستطيع بالتطوير التاريخي تقويض النظام الرأسمالي وإقامة سيادة الطبقة العاملة.
ـ ماركس كان يصر في أربعينات القرن التاسع عشر، أن مرحلة المجتمع الرأسمالي لا يمكن تلافيها، والبروليتاريا (أي الطبقة العاملة) لا تستطيع القفز إلى الشيوعية، وأن الحركة العمالية تتطلب أساساً علمياً، لا مواعظ اجتماعية.
ـ أكد ماركس أيضاً في الفترة نفسها أعلاه، أنه لا يمكن إيجاد أي توازن بين المتناقضات في أي نظام اقتصادي، بمعنى أنه لا يمكن مثلاً الحصول على إيجابيات النظام الرأسمالي دون سلبياته، والشيء نفسه بالنسبة للنظام الإقطاعي.
ـ أكد ماركس أيضاً أن البنى الاجتماعية هي أشكال تاريخية متحولة مع قوى الإنتاج، فالمطحنة اليدوية تعطينا المجتمع الإقطاعي، والمطحنة البخارية تعطينا المجتمع الرأسمالي الصناعي.
كل ما تقدم أثار تاريخياً جدلية نظرية وعملية واسعة، ولا يستطيع المرء حتى المرور على العناوين الرئيسية فيها. ولكن يمكن أن يميز المرء جملتين من الطروحات، جملة طروحات أعداء الشيوعية، وجملة طروحات القوى الشيوعية.