كيف أصبحت شيوعياً الرفيق خالد الكردي: يشرفني أنني شيوعي
قراءنا الأعزاء... بداية لابد من التوضيح التالي: إن الحيز المعطى لنا من حيث مساحة الزاوية يحول بيننا وبين إعطاء الحوار حقه، لذلك نضطر للإيجاز مما يحرم الزاوية من تفصيل معلومات كثيرة تستحق وبكل جدارة أن تنشر كاملة، وهذا ما سنعمل على إنجازه لاحقا، فهو جزء هام وأساسي من تاريخ الحزب وبخاصة كونه يرصد جهد ومعاناة وتضحية الذين شاركوا بقسط وافر في بناء صرحه.
وضيف اليوم شخصية شعبية دمشقية ساهمت بدورها على صعيد العاصمة في أواسط القرن الماضي، وبخاصة في صفوف المقاومة الشعبية،كما تبوأت مكانة محترمة بين محامي دمشق خلال الربع الأخير للقرن العشرين ،إنه الرفيق خالد إبراهيم الكردي المعروف بلقب (الزعيم)، عضو اللجنة المركزية بتنظيم (صوت الشعب).
- الرفيق المحترم أبو كاميران... كيف أصبحت شيوعيا؟
- أنا من مواليد قرية العبّادة بريف دمشق عام1922وتعلمت قراءة القرآن عند الشيخ عبد الرحمن الجزماتي بحارة الأكراد وفي التاسعة دخلت مدرسة الحي التي سميت فيما بعد (الملك العادل) ونلت شهادة (السرتفيكا) عام 1935على يد المربي قدري الحكيم ذي الفضل بتعليم أبناء الحي، وفي العام نفسه توفي والدي فنهضت أمي فاطمة عمورة بعبء الأسرة،وعملت لسنوات في (كسارة الحجارة) بموقع مدرسة (اللاييك) تابعت الدراسة في التجهيز التي سميت فيما بعد ثانوية جودة الهاشمي وهو أحد أساتذتنا الأجلاء وكان يتوكأ على عصا، وفي يوم من ربيع 1938 وبعد الانصراف اعترضه ثلاثة جنود من المحتلين وهم سكارى فضربوا عصاه فسقط على الأرض فانجروا ضاحكين،فأطلقت من فمي عدة(صفرات) كانت كافية لحشد عدد كبير من الطلاب لنقوم بتأديب الجنود(بقتلة محرزة) ثم لذنا بالفرار، واضطررت للتغيب عن المدرسة حتى (هدأ الوضع).وبعد حصولي على(البروفيه) سجلت في الصف العاشر بالكلية الوطنية وكان رسم الدراسة ثلاثين ليرة سنويا تدفع على قسطين ،نجحت بالبكالوريا الأولى عام 1945وبالبكالوريا الثانية (فلسفة) عام 1946ثم انتسبت للكلية الحربية وبعد أسبوع (تبين لهم أن محيط صدري ينقص سانتمرين عن الحد المطلوب!!) فطلبوا مني (أن أتغذى) لمدة شهرين وأعود بعدها، وطبعا لم أعد. كنت في تلك الفترة عضوا في نادي هنانو مارست لعبة كرة القدم لمدة عشرة أعوام، وقد درّست في المدرسة الابتدائية الخاصة التي افتتحناها في النادي لتعليم أبناء الحارة.
نشأت في بيئة متدينة واطلعت على كتابات الأديب الكردي قدري جان وتأثرت بالفكر القومي ونما لدي كره للظلم وللمستعمرين مما دفعني للمشاركة في كل المظاهرات الطلابية، وكنت أسمع أقوالا متناقضة عن الشيوعيين «منها أنهم كافرون، ومنها أنهم ضد الاستعمار ويريدون جلاءه عن أرض الوطن ليطعموا الجياع والفقراء»، وعن طريق الرفيق إبراهيم بكري تعرفت على أفكار وسياسة الحزب وفي أوائل عام1947قمت مع صديقي عبد الكريم محلمي بزيارته في بيته وقلنا له إننا نريد أن ننضم إلى الحزب فرحب بالطلب ووعدنا خيرا، ومضى أكثر من شهر ولم يرد على طلبنا فزرناه ثانية فقال درسنا وضعكما وقبل طلبكما وصرتم شيوعيين، ومن ذلك اليوم بدأت قصتي الطويلة في صفوف الحزب (أعمال ونشاطات ومظاهرات وتوقيع عرائض مطلبية وتوزيع منشورات سياسية واحتفالات وطنية وطبقية، ومئات الاجتماعات الجماهيرية والحزبية وكثير منها في بيوت الرفاق في مختلف أحياء دمشق مثل بيت أخي سعيد أبو إبراهيم (بيت مؤتمرات عدة للحزب) وشكري صديق ونديم وفخري رمضان وعدنان قرةجولي وجورج عويشق قرب مطبعة صحيفة الحزب في باب توما، وقد رافقت الرفيق خالد بكداش في العديد من المهام الحزبية واللقاءات الشعبية أيام الانتخابات ومجلس الشعب (البرلمان)، ومن أحد فصول تلك القصة أن دراستي الجامعية استمرت خمس عشرة سنة والسبب هو الملاحقات والاعتقالات وبشكل خاص مع بداية الامتحانات، فلقد سجنت مرات في سجن القلعة وسجن المزة العسكري وتعرضت للتعذيب إضافة لتوقيفات في أقسام الشرطة والنظارة (أيام الدكتاتوريات العسكرية) كما سجنت لمدة عام في سجن تدمر مع عدد من الرفاق ومنهم إبراهيم بكري ودانيال نعمة وكان معنا سجين بعثي هو الدكتور نور الدين الأتاسي، حيث كانوا يلبسوننا أردية عسكرية بالية لنقوم بالأعمال الشاقة «في الحجارة» وقد هربت إلى لبنان عدة مرات ولا سيما زمن حملات الاعتقالات.
واليوم ومن خلال هذه الزاوية يسعدني أن أقول: لقد كانت حياتي غنية رغم كل الصعوبات والمعاناة، ويشرفني أنني شيوعي، وأدعو جميع الرفاق إلى أن يبرهنوا على انتمائهم الحقيقي لشعبنا ووطننا وذلك بالنزاهة والاستقامة والصدق بالدفاع عن حقوق الجماهير الشعبية في العيش الحر العزيز، وتلك مسؤوليتنا جميعا إن كنا شيوعيين، وأشد على أيدي كل الرفاق.
واسمحوا لي أن أنهي كلامي بـ(الطرفة) التي جرت معي من مدة قصيرة، جاءني رجل أمن ليسألني عن انتمائي وانتماء الرفيق إبراهيم بكري السياسي فقلت له: (أنتو بتعرفو أكيد أنه نحنا شيوعيين من ستين سنة.. روحو يا جدو إسألو عن أخبار الفاسدين المفسدين يلي عم ينهبو لقمة الشعب وخيرات الوطنّّ)!!