مذكرات مخبر عتيق (2)
وعدتكم أن أتابع إعلامكم بما حدث معي عن طريق الصدفة وذلك أثناء حضوري، ومن ثم مشاركتي (بالخطأ) في المؤتمر الدولي الألف للمرتشين، وقد أنهيت الحلقة السابقة في افتتاحية العدد الماضي بالأفكار التي قالها كبير المرتشين والفاسدين في افتتاح المؤتمر.
حيث أعلن وبعد إنهاء كلمته بأن المؤتمر سيستأنف أعماله بعد استراحة قصيرة..!
عادة تقدم في الاستراحة بعض من المشروبات الخفيفة وأنواع من المعجنات والحلويات، ولكن عند هؤلاء المرتشين اختلف الأمر كثيراً، والحق أقول بأن فترة الاستراحة تختلف عن تصوراتي وتصوراتكم، لأن مائدتهم كانت عامرة بما لذ وطاب من المأكل والمشرب وبشكل زاد عن المألوف بمرات كثيرة..!! ولدهشتي لما رأيت فقد بادرت بتوجيه سؤال لأحدهم، لماذا كل هذا البذخ.؟ فأجاب: كي تشبع العيون وتسد شهوات البطون.
لقد رأيت ياسادة وجوهاً لم أكن أتوقع وجودها على الإطلاق، خاصة في مثل هذا المكان وفي مثل هذه المناسبة..!
عندها سألت من جاورني في الجلوس، والذي شكلت معه معرفة بسيطة استطعت أن أطورها بسرعة، وصلت إلى حدود الاطمئنان عن أولاده وعائلته، و حسب ما اتضح لي بأنه من الأخوة العرب، وقد أفهمته بأني تركي الجنسية لذلك كانت محادثتي معه باللغة الانكليزية، وتبين لي بأنه من أقدم أعضاء المنظمة، وهو مثابر دائم لحضور المؤتمر، سألته عن عموميات المؤتمر حيث قال:
المؤتمر ينقسم إلى عدة شرائح، ويتشكل من:
1 - أعضاء مجلس الإدارة وهم سبعة يجتمعون مرة واحدة كل ستة أشهر، يقومون بدراسة الأوضاع المستجدة، ويتابعون تنفيذ قرارات المؤتمر وتوصياته.
2 - أعضاء الهيئة الوصائية وتتألف من السبعة السابقين إضافة إلى ثلاثين آخرين يمثلون القارات الخمس.
3 - الهيئة العامة وهذه تتألف من ثلاثة أعضاء من كل مجلس إدارة من مختلف بلدان العالم، ويصل عددهم إلى أربعمائة عضو.
4 - المراقبون وينقسمون إلى قسمين: الأول: الراشين، والثاني: المراشين.
5 - ضيوف المؤتمر، وهم عادة من الشخصيات العالمية والتي تبوأت مناصب كبيرة، من رؤساء وملوك، ورؤساء مجلس وزارة ووزراء دفاع، ووزراء مالية، ووزراء اقتصاد، ورؤساء شركات، ومديري جمارك، وحسب مايراه مجلس الإدارة مناسباً ومؤهلاً للمؤتمر .
عاد الجميع بعد الاستراحة، وأخذ كل مكانه، وتبين لي أن أعضاء المؤتمر والمراقبين والمشاركين يجلسون بشكل منظم، فالأعضاء القدامى يجلسون في مواقع متقدمة من الصالة ولهم صدارة المكان، وأعضاء مجلس الإدارة في كل دولة على الصفوف التالية، ثم المراقبون خلفهم، أما الضيوف فقد خصص لهم مكان على جانبي المنصة، فبدا المشهد جميلاً، ومزيناً بالورود، والأضواء الخافتة أضفت روعة للمكان.
جلس الرئيس وعلى جانبيه نائبه، والأمين العام، وهو متفرغ لقيادة الأمانة، ويجب أن تتوفر لديه خبرة من ثلاثة أنواع:
1 – يجب أن يكون رائشاً لمدة طويلة، ويكون قد أبلى بلاءً حسناً ولم يعرف عنه إفشاءً للسر.
2 – أن يكون قد تحول من خلال أعماله من رائش إلى مراشٍ ولمدة طويلة من الزمن ويشترط أيضاً ألا يكون قد أفشى سراً في هذه المدة.
3 – أن يكون قد انتهى به المطاف إلى الإبداع في عمله الخاص بالرشوة والمراشاة.
أعلن على الفور الرئيس بأن المؤتمر سيبدأ أعماله وذلك بعد أن أنشد الجميع نشيد الفساد وقد حفظت منه:
يغني الفسادْ.. له ساحة وجيادْ.. وقامته مثل (قارونَ) يختال فوق العبادْ له قدمان وكفَّانِ.. تختصران الغيومَ.. وريعَ الغيومِ.. وفاهُ يلمُّ المواسمَ يوم الحصادْ يغني الفسادْ.. ولاحول حتى لحدًّ السيوفِ.. لتمنع مايشاءَ.. أو ماأرادْ يغني الفسادْ.. ويملك كل الرؤوسِ.. وكل الضلوع ِ.. وكل البلادْ له سطوة الجيش حتى يغيرُ.. وحين يحيل الكروم رمادْ ويحرق كل المكاتب والمكتباتِ.. ويرمي بها في البحارِ.. فتغدو مياه البحر سوادْ يغني الفسادْ.. وإصبعه مخرز فوق العيونِ.. ويقدر أن يجعل التلال َ.. مِهادْ ويقدر أن يكتم أي صراخٍ.. ويستبيح النساءَ.. ويسلب كل العقولِ ويحطم وجه الرشادْ .......
بعد أن أنشد الجميع هذا النشيد، قال الرئيس: نبدأ مناقشة جدول الأعمال ...
يتبع في العدد القادم إن شاء الله
■ فؤاد بلاط