مائة وستون عاماً على إصدار «البيان الشيوعي»

في هذا العام يكون قد مر «160 عاماً» على صدور الطبعة الأولى للبيان الشيوعي الذي صدر في شباط عام 1848، وكما تقول بعض المصادر إن أول مترجم للبيان إلى اللغة العربية هو «ميخائيل عطايا»، وكان الأخير قد وصل إلى موسكو عام 1873، وعمل في معهد «لازاريف» للغات الشرقية، وألّف قاموس عربي- روسي، وتوفي في موسكو عام 1924 والمولود في دمشق عام 1853، ولكن يبقى المترجم الأساسي للبيان الرفيق خالد بكداش وذلك في عام 1933، كما قام بعده الرفيق فؤاد الشمالي بترجمة مقتطفات من البيان ضمن كتابه «الاشتراكية» وذلك في عام 1936، وكما تقول هذه المصادر إنه قبل صدور البيان كان أنجلس قد كتب بتكليف من المؤتمر الأول لـ«إتحاد الشيوعيين» وثيقة سميت حين ذاك «رمز البيان» تحت اسم «قانون أو دستور البيان»، وكان شعار هذه الوثيقة «كل الناس إخوة»، وفي عام 1847 اقترح أنجلس على ماركس إلغاء القسم الذي أقر بالمؤتمر الأول وتبديل «رمز الإيمان بالبيان الشيوعي» وشعار «كل الناس إخوة» ليصبح «يا عمال العالم اتحدوا».

وقد وصف لينين البيان الشيوعي قائلاً: «إن هذا المؤلف يعرض بوضوح ودقة عبقريين المفهوم الجديد للعالم، فهو يعرض المادية المتماسكة التي تشمل أيضاً ميدان الحياة الاجتماعية والديالكتيك بوصفه المذهب الأوسع والأعمق للتطور، ونظرية النضال الطبقي والدور الثوري الذي تضطلع به في التاريخ العالمي البروليتاريا خالقة المجتمع الجديد المجتمع الشيوعي».

واليوم لابد من قراءة البيان الشيوعي قراءة جديدة حسب التغيرات والتطورات التي حدثت في العالم، وهذا هو جوهر المادية الديالكتيكية، بعيداً عن العقلية التصفوية التي تزعم وتدعي إفلاس الماركسية وأنه لم يعد بالإمكان الاستفادة منها، خاصةً الذين أصابهم الإحباط واليأس والهلع بعد انهيار بعض الأنظمة الاشتراكية. وأيضاً بعيداً عن عقلية التحجر والجمود التي تدعي الثبات والرجولة وغيرها من التعابير المثالية والرومانتيقية، ولا يعيرون الاهتمام للمستجدات وللأخطاء التي حدثت. هذه المفاهيم التي تسيء إلى الماركسية اللينينية وتشوه جوهر منهجها المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية. إن التجديد الذي ننشده ليس سيراً مع التيار ولا هو موضة أو أرضاء لبعض القوى الانتهازية بل هو عملية تتطلبها ضرورات موضوعية، وأدرك تماماً أن اتخاذ مثل هذه المواقف ليس سهلاً، بل يستدعي أولاً مقاومة الجمود والتحجر وقوى العادة، وهذا ليس بأمر غريب على الأحزاب الشيوعية وعلى الماركسيين عموماً. يقول لينين في مقالته «برنامجنا»: «نحن لا نعتبر أبداً نظرية ماركس شيئاً كاملاً لا يجوز المساس به، بل إننا مقتنعون بأنها لم تفعل غير أن وضعت حجر الأساس لذلك العلم الذي يترتب على الاشتراكيين أن يدفعوه إلى الأبعد..»، ولكننا بالوقت نفسه لا يمكن أن يصيبنا ما أصاب «نيتشه» عندما فقد أمله بتطور الرأسمالية المنسجم تحت ضربات الانتفاضات العمالية، عندئذ فقد الإيمان بكل شيء وقال: «كل شيء باطل، كل شيء مباح»، وهذا ما أصاب بعض الرفاق حالياً. والسؤال الكبير الذي نطرحه أو يطرحه البعض الآخر: هل شاخت القوانين الأساسية التي اكتشفها ماركس وأنجلس في البيان الشيوعي نتيجة تغيير الواقع الموضوعي؟ الجواب حسب رأينا: نعم، تغير الواقع الموضوعي خلال هذه الفترة الطويلة، ولكن لم يتغير الشيء الجوهري، وأهم هذه القضايا الجوهرية في البيان الشيوعي هي فضح وتعرية جوهر الرأسمالية، وطابعها الاستغلالي الجشع وضرورة محاربتها واستبدالها بنظام آخر لا استغلال فيه، هو النظام الاشتراكي، وأيضاً التفسير المادي للتاريخ الذي قدمه البيان بشكل متماسك ومستمر، وقد تنبأ البيان الشيوعي بجوهر العولمة الجديدة حيث أشار إلى الاندماج العالمي لأسواق البضائع والخدمات والرأسمال، وأكد أن العالم يتحول إلى سوق واحدة. وقد عبر أنجلس بعد أربعين عاماً عن غبطته للتأثير الذي تركه البيان فقال: «أصبح البيان البرنامج العام لملايين الشيوعيين في جميع البلدان من سيبريا إلى كاليفورنيا». وفعلاً وبعد ربع قرن وفي عام 1871 قامت كومونة باريس فامتحنت أفكار البيان ومبادئه على نار التجربة، وكشفت الكومونة أي حقد تكنّه البرجوازية للطبقة العاملة.

إن احتفال جميع الشيوعيين بهذه المناسبة ضرورة فكرية يمليها الرد على الهجمة الشرسة التي تشنها قوى العولمة الأمريكية على الفكر الماركسي، وهذا يتطلب من الشيوعيين إقامة ندوات فكرية مشتركة، وأيضاً التفكير الجدي والتنسيق لإتمام وحدتهم.

قدمت اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين في (25/حزيران/2007) مبادرة هامة في هذا الميدان، وكذلك المبادرات الهامة التي أطلقها الرفيق د.«قدري جميل» في كلمته أمام الاجتماع السابع للجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين 11/1/2008 بدمشق. وما نتمناه ونطلبه أن يبادر الرفاق الآخرون في الفصائل الشيوعية، وعلى شرف هذه المناسبة، إلى دراسة هذه المبادرات للوصول إلى خطوات ملموسة وجادة نحو التنسيق والوحدة بيننا. وكل الإمكانيات متوفرة إذا كانت القناعات و النوايا متوفرة.

إن وحدة الشيوعيين السوريين ليست ضرورة للشيوعيين فقط، بل ضرورة وطنية، لا غنى عنها، من شأنها دعم الوحدة الوطنية، ومن ينادي بالوحدة الوطنية عليه من باب أولى أن يوحد صفوف حزبه المنقسم، وإلا فلن يخرج كل هذا عن نطاق اللغو.

■ عبد العزيز حسين

آخر تعديل على الثلاثاء, 22 تشرين2/نوفمبر 2016 17:45