الرفيق إلياس قطيرة - (طرطوس) لا مستقبل للشيوعيين إلا في وحدتهم
إنه لمن دواعي سروري وغبطتي وأنا القادم إليكم من تيار النور، أن ألبي الدعوة التي وجهت إلي من الرفاق في اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين في طرطوس لحضور هذا اللقاء المهيب، وهنا لا يسعني إلا أن أثمن عالياً الجهود المبذولة من الرفاق في تيار قاسيون واللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين من أجل التحضير لمثل هذا اللقاء الذي يجمع هذا الحشد الكبير من الشيوعيين من كافة الفصائل والتنظيمات الشيوعية، القديم منهم والحديث، الكهل والشاب ليلتقوا بعد طول غياب على هدف واحد وقضية واحدة، هي العمل من أجل إعادة الوحدة للشيوعيين، كي يعودوا كسابق عهدهم حزباً موحداً قوياً فاعلاً ومؤثراً في مجريات الحياة في هذا الظرف العصيب، ليساهموا في مناقشة كافة الأمور ومعالجة مختلف القضايا التي تغني هذا اللقاء وتجعل منه نقطة انطلاق هامة وقفزة نوعية مميزة باتجاه التسريع بالعمل الوحدوي الجاد، والتأسيس لولادة الحزب الذي تحتاجه المرحلة، وترنو إليه أنظار الجماهير التواقة لتحقيق هذا الانجاز الكبير.
وهنا أعلن أمامكم أيها الرفاق الأعزاء الذين تربيتم في مدرسة الحزب الشيوعي السوري وساهمتم في صنع تاريخه بسلبياته وإيجابياته وعانيتم وتحملتم الكثير الكثير عبر هذه المسيرة الطويلة، وأنتم مؤمنون بصحة اختياركم وصوابية انتمائكم لمبادئ الحزب وأفكاره ولقضايا الشعب والوطن من أجل حاضر أفضل ومستقبل زاهر، أعلن وأؤكد (بأن لا مستقبل للشيوعيين إلا في وحدتهم) لأن ماحل بالحزب من تباينات وخلافات، أدت إلى الانقسامات المتتالية، وأنتجت حالة التشرذم والتبعثر التي وصل إليها، جعلت كل منا في موقع من المواقع وفي فصيل من الفصائل، وأدت بالكثيرين للانكفاء على أنفسهم والانزواء في الزوايا المنسية. هؤلاء جميعاً كانوا يحسون أن هناك بارقة أمل وشعاع ضوء ينبعث في الأفق كلما صدرت دعوة أو وجه نداء من هذا الفصيل أو ذلك يدعو إلى الوحدة والتلاقي، ولكن سرعان مايصابون بالخيبة والإحباط ويخبو الشعاع وتختفي البارقة، ويتبين أن هذه الدعوات ما هي إلا دعوات تسوق في بازار السياسة أو المزايدة، وما هي إلا جعجعة دون طحين ورعود دون مطر، لأن مطلقيها لايؤمنون بها، وأيديهم ملطخة بعار الانقسامات وجرائم التبعثر والتشرذم، وهل فاقد الشيء قادر أن يعطيه؟؟
ولكن في هذه الحالة من الضياع والحيرة وفقدان البوصلة أتى إعلان تشكيل اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، والمبادرات التي أطلقتها، والآلية التي تتبعها من أجل الوحدة التي يتوق إليها الشيوعيون أينما كانوا داخل فصائلهم وتنظيماتهم أم خارجها، ليعيد الأمل ويعزز الثقة بأن الباب قد فتح على مصراعيه أمام الجميع من أجل الحوار البنّاء والإدلاء بالآراء وتقديم المقترحات للتوصل إلى صيغة عملية تؤسس لولادة حزب من طراز جديد، يأخذ العبر والدروس من أخطاء الماضي ليتخطاها، وينظر بعين ثاقبة إلى المتغيرات والتحولات التي تطال كل شيء وعلى كافة الأصعدة، كي نتمكن من صياغة برنامج توحيدي يعيد لهذا الحزب ألقه ودوره الوظيفي، مستمداً من تراثه وتاريخه الحافل القدرة على متابعة السير قدماً إلى الأمام. وهنا أود القول إنه لو تتبعنا ما يصدره الشيوعيون من مختلف الفصائل والتنظيمات من بيانات، وما يعلنونه في وثائق ومقررات مؤتمراتهم التي لا يخلو بيان أو وثيقة من عبارة تتكرر باستمرار وهي أن الحزب ضرورة موضوعية يحتاجها الشعب ويحتاجها الوطن، فإذا كنا صادقين فيما نقول ومخلصين للشعار الذي نرفعه، ألا يتوجب أن يكون الحزب قوياً موحداً فعالاً ومؤثراً؟؟ وإلى جانب ذلك لو تقصينا مايعلنه هؤلاء في السر والعلن لوجدنا أنهم دائماً يدعون إلى الوحدة الوطنية الجامعة وإلى لم الشمل وتوحيد الصفوف وحشد الطاقات لدى القوى الوطنية التقدمية وجماهير الشعب كافة للتصدي للهجمة الشرسة التي تتعرض لها بلادنا مستهدفة حريتها واستقلالها، لا بل وجودها بالكامل.
أمام هذا الواقع المعلن، أليس من حق الآخرين أن يقولوا: أيها الشيوعيون هل أنتم صادقون وجادون فيما تدعون إليه، أم أنكم تريدون ذر الرماد في العيون؟؟ فكيف يحق لمن جعل الحزب فصائل وأقساماً وفرقاً وشيعاً، أن يدعو إلى وحدة القوى الخيرة؟؟ أليس من الحكمة القول لهؤلاء أيها الطبيب طبب نفسك أولاً، ثم عالج أمراض الآخرين بعد ذلك؟؟
لقد فقد الشيوعيون مصداقيتهم، وهذا ما أفقدهم الجماهير والقدرة على التأثير والفعالية المنوطة بهم في هذه الظروف المعقدة والخطيرة.
كفانا تلاعباً بالألفاظ وتحايلاً على الحقائق، والادعاء بأن الخلافات الفكرية والسياسية والتنظيمية هي التي أدت إلى هذه الانقسامات. إن التباين في الآراء والخلاف في وجهات النظر ظاهرة طبيعية وصحية ترافق كافة الحركات الثورية، وفي خضم النضال، ومن خلال الحوار الحر البناء والنقاش الواسع والعميق، ومن خلال التفتيش عن نقاط التلاقي والابتعاد عن نقاط الاختلاف، تحل كافة هذه الخلافات وتتقارب تلك التباينات، لا أن تتخذ ذريعة لتحقيق الأهداف الخاصة ولوكانت على حساب تقسيم الحزب وتدميره.
إن الحقيقة الصارخة تؤكد أن مسلسل الانقسامات وحالة الانهيار التي طالت الحزب وقطعته إرباً إرباً، كانت ولا تزال الذاتية المفرطة والركض وراء المواقع والمناصب، واعتبار الحزب ملكية خاصة ومصدر الوجاهة والتعالي، ضاربين بعرض الحائط مصلحة الحزب ومستقبله في حياة البلاد والعباد. ومن العوامل الهامة أيضاً غياب الديمقراطية الحقيقة داخل الحزب واتباع سياسة الإقصاء والإبعاد لأتفه الأسباب، والدوس على النظام الداخلي والأسس اللينينية في التنظيم عندما يكون ذلك لمصالحهم ويحقق لهم المكاسب.
يتوجب علينا جميعاً أن نبتعد عن المواقف المتشنجة والعمل برد الفعل، مما يضعف الجبهة الداخلية ويساعد على خلق مناخ الإحباط واليأس بدل من استنهاض الهمم. لاشك أن الذي ينزف دمه تحت سياط الجلادين يرى الأمور بشكل مغاير للذي يعيش حالة استرخاء واستجمام، ولكن في كلتا الحالتين يجب أن لاننسى بأن الدم الذي يسيل من هذا أو ذاك وحجم المعاناة التي يصاب بها البعض ظلماً وتعسفاً لايجوز أن تدفعنا أو تدفع البعض منا إلى الشاطئ الثاني الذي يتلاقي مع المخطط المعادي، كما فعل بعض الذين يصنفون من التيار اليساري. لا شك يجب أن ندين ونستنكر هذه الممارسات اللاديمقراطية والأساليب القمعية، ولكن بالمقابل يجب إدانة مواقف البعض الذين أعمتهم هذه الممارسات أو تذرعوا بها لا أدري، فأفقدتهم الرؤية الصحيحة، ودفعتهم بخطابهم وسلوكهم إلى معسكر الأعداء، يستقوون بهم ويطلبون نجدتهم!!
..إن الهجمة شرسة والمخطط خطير يستهدف الجميع دون استثناء، فالقنابل الذكية لاتفرق بين طوني ومحمد، وبين موال ومعارض، والحكمة تقضي تضافر جهد الجميع وتكاتفهم لتصليب الموقف وتعزيز المجابهة لإفشال هذه المساعي الشريرة وهذا المخطط الجهنمي الخطير..