عبدي يوسف عابد عبدي يوسف عابد

أحداث في الذاكرة... نـجاة من المـقلاة

قرية الزيدية التابعة لمخفر أبو راسين بناحية تل تمر في محافظة الحسكة، معروفة في المنطقة بأنها مركز الشيوعيين، بفضل نضال الرفيق عبد المجيد حسين الحاج درويش، وكانت أيام النضال السري، تتعرض كثيراً لكبسات الشرطة والأمن بحثاً عن عبد المجيد وعني. في ذلك الوقت كان لنا صديق للحزب، يعمل مستخدماً في مخفر الشرطة، وعندما كان يسمع بأنهم سيتوجهون إلى قرية الزيدية، كان يرسل لنا خبراً تحذيرياً بذلك، فنذهب إلى قرية مجاورة، أما إذا فاجأونا بحضورهم، فكان الرفيق عبد المجيد يدخل في الحفرة التي صنعها في بيته، والمموهة جيداً، وأنا انتظر بجانب الشباك الشمالي للبيت الذي أنا فيه، وعندما يقتربون منه، أخرج من الشباك وأدخل أحد البيوت التي جرى تفتيشها.

ذات مرة كنت في بيت الصديق الراحل سلمان علي سوارو، وإذا بزوجته تقول وهي تلهث: إنهم يطوقون البيت، دبّر رأسك، فما كان مني إلا أن سلمتها ما معي من تقارير وأوراق فوضعتها في جيبها، وانتقلت إلى الغرفة الثانية التي تستعمل كمطبخ، حيث دخلت إلى المدخنة، (وتعربشت) على جدرانها، عندها سقطت فردة حذائي، فسارعت المرأة ووضعت فوقها طشت.. دخل رجال الأمن وألقوا نظرة سريعة في الغرفتين، ولم يجدوا أحداً، فخرجوا إلى بيوت أخرى ليبحثوا عنا..

من عادتي عندما أذهب إلى الجزيرة، أن أزور البيوت التي كنت اختبئ فيها، وقبل سنوات زرت هذا البيت برفقة الرفيق عبد المجيد الذي سأل صاحبته: هل تعرفينه؟ تفرست المرأة في وجهي الذي لم تره منذ أربعين عاماً وقالت: أعرفه جيداً.. إنه مدين لي بحياته، فقد أنقذته، ونجّيته من المقلاة!!.

تحية إكبار إلى عشرات الرفاق والأصدقاء وأفراد عائلاتهم، الذين كانوا يحتضنون الرفاق الملاحقين بقلوبهم، ويقاسمونهم لقمة العيش البسيطة في سنوات العسر.