الإخوان المسلمون و «المؤلفة قلوبهم» و«انفكاك» النصرة
رحبت جماعة الإخوان المسلمين بانفكاك جبهة النصرة عن القاعدة، وحسب بيان الإخوان الخاص بهذا الشأن، فإن ما قامت به جبهة النصرة هو «خطوة أولى نحو محلّية الثورة وأهدافها، تحتاج المزيد من الالتحام مع الحاضنة الشعبية بردّ الحقوق والمظالم، وعلى الجميع أن يقوم بمراجعات شاملة تعود بالنفع والخير على شعبنا وثورته» ويزيد زهير سالم – أبرز إعلاميي الجماعة - على البيان قائلاً: «إن من أهم ما في إعلان أبي محمد الجولاني في (أوراق الاعتماد الجديدة) التي تقدم بها، أنه وضع مصلحة الأمة، ومصلحة أهل الشام (الشعب السوري) في مقدمة المصالح التي يجب أن تؤخذ بالاعتبار. وإسقاط الذرائع كلها التي يتذرع بها الآخرون لإعلان الحرب على هذا الشعب المستضعف الذي تكاثرت على ظهره وصدره سهام العادين»
تنطع عدد من السوريين من «يساريي الأمس، وليبراليي اليوم، وتائهي الغد» منذ «إعلان دمشق»، لمهمة تسويق الإخوان المسلمين كتيار مدني، يؤمن بالديمقراطية والتعددية، ووجد العديد منهم في خيمة الإخوان مأوى لهم في رحلة التيه واليتم، وارتضى بعضهم أن يكون «مندوب مبيعات» لبضائع الجماعة، وأجندتها السياسية. وبالتوازي مع ذلك راحت الجماعة تغطي على بنيتها الأيديولوجية الطائفية، بالشعارات التي سادت في سوق السياسة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، مع «نقد ذاتي» لامتصاص تجربة السوريين المُرة معها، لتسهيل مهمة «المؤلفة قلوبهم». ليس ذلك فحسب بل- وعلى ذمة الراوي أن «الصديق» آنذاك، «العدو» حالياً، «أردوغان» حاول في حينه إصلاح ذات البين، بين النظام وبين الإخوان، ولكنهم رفضوا ذلك، إذ كانوا يطمحون إلى ما هو أكثر من بضعة وزراء في الحكومة.
ومع تفجر الحركة الشعبية، كان الإخوان المسلمون من أولى القوى التي بررت عسكرة الحراك، وأكثرها استعداداً للانخراط في عسكرته، ودخلوا معترك العمل المسلح مجدداً بتسميات مختلفة، وحاولوا التمايز عن القوى المتطرفة الإرهابية، كداعش والنصرة. ومع استدارة جبهة النصرة، ومحاولات قوى إقليمية ودولية القبول بذلك، ها هي الجماعة أول المسوقين للعملية، فكيف يمكن فهم ظاهرة الاستدارة، ودور الإخوان في العملية؟
إن جماعة الإخوان- للتذكير- هي جزء من شبكة رأس المال المالي الدولي، لها ترتيبها في نسق شبكة البنوك والمصارف الدولية، وهي من الناحية العملية الأب الروحي لتيارات الإسلام المتطرف كلها، وكانت على الدوام مفرخة لإنتاج جماعات كهذه، تستثمر في وجودها، وتستفيد منها، وتبتز الآخرين بها، وتقدم نفسها بديلاً عنها، لدى الرأي العام، باسم الإسلام المعتدل، حيث لا يسمح «بريستيج» حقوق الإنسان والديمقراطية والمجتمع المدني، بتبني داعش والنصرة. وفي ظل المنعطف الحاد، والضغط الروسي المباشر، والإصرار على تصفية هذه الجماعات، باعتبارها الوجه السافر للفاشية الجديدة، لم يعد هناك مجال للمواربة، والتدليس، والنفاق، ومن هنا فإن موقف الجماعة بتسويق جبهة النصرة، وغيرها من «المؤلفة قلوبهم» هي في العمق محاولة لترتيب البيت الداخلي الإخواني، وحمايته وإعادة تأهيل القوى التي باتت تحت الضرب، بحكم القرارات الدولية، وتوليفها مع عملية الحل السياسي بعد أن أصبحت جولة جنيف على الأبواب، سواء كان تصدياً ومنعاً لعملية الحل، أو تلغيماً لها مع تحولها إلى أمر واقع.
وبالتالي فإن خطوة جبهة النصرة، وموقف جماعة الإخوان منها، ستؤدي حكماً إلى إحداث فرز جديد بين قوى المعارضة السورية، واستقطابات جديدة على أساس الموقف من استئناف مفاوضات جنيف من عدمه