الافتتاحية صمود غزة فتح كل الملفات
منذ اندلاع الانتفاضتين الفلسطينيتين (1987 و2000)، وكذلك بعد حرب تموز 2006، وحرب كانون الأول 2008 على الشعبين اللبناني والفلسطيني، كان رد النظام الرسمي العربي على المجازر الصهيونية يجيء من خارج السياسة المطلوبة شعبياً ووطنياً في الشارع العربي المؤيد لخيار المقاومة والمواجهة ضد التحالف الإمبريالي- الصهيوني.
فبعد كل عدوان صهيوني كانت دول الاعتلال العربي تتسارع إلى أمرين اثنين: اتهام المقاومة بـ«المغامرة وأنها السبب في العدوان»، وليس وجود الاحتلال وطبيعة الكيان الصهيوني التوسعية- العدوانية، والأمر الثاني المسارعة في فتح باب «التبرعات السخية» وتشكيل الهيئات الخيرية لمواساة الضحايا مع تجهيل الفاعل وتحويل العدوان إلى ظاهرة زلزال أو عواصف وفيضانات وكأنها قدر لا راد له!.
إذاً، هناك نهج واضح لدى دول الاعتلال العربي، أخطر ما فيه هو عدم اعتبار الكيان الصهيوني عدواً مع إصرار مدان على استمرار تبني طريق المساومة والمفاوضات والتنازل والتفريط بالحقوق والتبعية المطلقة لسياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة. وطالما أن صمود المقاومة في غزة فتح كل الملفات، نلاحظ أن جهود النظام الرسمي العربي تنصب بالدرجة الأولى على عدم اعتبار ما حدث في غزة صموداً لشعب يحب الحياة والحرية، وبالتالي انتصاراً لخيار المقاومة الشاملة. وما حدث أثناء العدوان وبعده وحتى الآن من حراك سياسي للنظام الرسمي العربي، إنما هو محاولات مكشوفة لإبعاد الفلسطينيين عن خيار المقاومة ودول الممانعة بحجة «عدم تدخل غير العرب بالشأن العربي» لتعويم المساومين بعد غرقهم في التواطؤ والمشاركة المباشرة وغير المباشرة في العدوان على الشعب الفلسطيني.
بهذا السلوك المشين يزداد تعفن النظام الرسمي العربي، ويسير باتجاه الزوال تحت قوة وثبات المقاومة وبداية نهوض الشارع العربي وتفاعل عملية الفرز بين خياري المقاومة والمساومة على المستويين الإقليمي والدولي. وهذا يسمح لنا بالاستنتاج بأن هناك بداية لظهور نظام عربي تختلط فيه عناصر المقاومة والممانعة تجاه أعداء الداخل والخارج.
لقد علمتنا التجربة التاريخية بعدم أية إمكانية لوجود نظام عربي فعال إلاّ إذا كان مقاوماً، فالقضية الفلسطينية بعد كامب ديفد ليست كما كانت قبلها، فمنذ مطلع السبعينيات لم يعد الكيان الصهيوني عدواً للنظام في مصر، وقبلها ومنذ العشرينيات كانت الحركة الصهيونية ترتبط بعلاقات وثيقة بالأسرة الهاشمية، ومنذ أوائل الثمانينيات أصبح الكيان الصهيوني صديقاً للسعودية ودول الخليج (بعد مشروع الأمير فهد عام 1982)، وبعد اتفاقات أوسلو لم تستطع قيادة السلطة في رام الله إشهار أي عداء للكيان الصهيوني، والدليل عدم وقف التفاوض، واستمرار التنسيق الأمني.
ومن هنا، يمكن التأكيد أنه بقدر انخراط أية قيادة فلسطينية بالنظام الرسمي العربي بقدر ما تتراجع القضية وتخرج من كونها قضية تحرر وطني وتمسك بالحقوق الوطنية الثابتة، وأبرزها حق العودة وتقرير المصير وإزالة الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، إلى بازار المساومات العربية واستجداء الحلول من العدو الصهيوني وحاضنته الأساسية الولايات المتحدة الأمريكية.
وعند أي حديث عن مصالحة فلسطينية- فلسطينية، لابد من التركيز أولاً وفوق كل اعتبار على ضرورة تكريس وحدة كل القوى والفصائل الفلسطينية على أرضية المقاومة ضد الاحتلال والتمسك ببرنامج وطني شامل لا يتماهى من قريب أو بعيد مع طبيعة النظام الرسمي العربي، بل ينطلق من التراث الكفاحي الطويل للشعب الفلسطيني والشعوب العربية والصديقة ضد الاستعمار وضد الاحتلال.
وإذا كان الكيان الصهيوني قد تمكن في الخمسين سنة الماضية من تحقيق الانتصارات على النظام الرسمي العربي، فإن تجربة المقاومة اللبنانية في العامين 2000 و2006، وتجربة صمود غزة الأسطورية في أواخر العام الماضي ومطلع هذا العام، تشير بالفعل إلى أن الواقع قد تغير بفضل خيار المقاومة الشعبية وإرادة المواجهة، وأن فكرة زوال الكيان الصهيوني الإرهابي قد بدأت وفيها من الواقعية أكثر بما لا يقاس من حلم الإمبريالية والصهيونية والنظام الرسمي العربي التابع بفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني أو رضوخه لشروط الاحتلال الصهيوني.